يقال إن موظف الحكومة هو الذي يعطونه الحد الأدنى فلا يستقيل، ويعطيهم الحد الأدنى فلا يُفصل، وعلى رغم أن الشكوى من ضعف رواتب الحكومة عامة، إلا أنها متفاوتة وتختلف من سلم إلى سلم آخر. ولو بدأنا بالرواتب في القطاع العسكري لوجدناها كلها بدلات، ولو وقفت مع عسكري يصرف راتبه في البنك وهو على رأس العمل، ووقفت معه بعد تقاعده، لعرفت أنك حسبت الشحم في شحمه ورم. فبدل الإرهاب طار، وبدل الدورة طار، وبدل الإعاشة طار، وبدل الحاسب طار، وبدل وبدل وبدل ليصفى له 70 أو 80 في المئة من الراتب الأساسي الضعيف الذي لا يفي بمتطلباته وأسرته وحاجاتهم. أجهزة الحكومة المدنية بدورها تنقسم إلى وزارة، شبه وزارة (رئاسة، كرئاسة الشباب)، هيئة (هيئة الغذاء والدواء، الاتصالات، وغيرهما)، مؤسسة عامة (مثل الخطوط السعودية)، وشركة عامة (مملوكة بالكامل للدولة مثل شركة المياه الوطنية)، وفيها تفاصيل. فكلما أبعد الموظف عن الأولى والثانية اللتان هما على سلم الموظفين العام، كلما كان أفضل دخلاً وراتباً. فبعض الهيئات (وليس كلها) خلقت لها سلالم وظيفية جيدة، كما أن رواتب المؤسسات والشركات العامة أفضل كثيراً مقارنة بسلم الموظفين العام. وعن سلم أساتذة الجامعات، فهو لا يبعد كثيراً عن سلم العسكريين، فقد فتح الله على لجنة كونت قبل سبعة أعوام تقريباً بما لا يخطر على بال حصيف. فخلقت بدل الندرة، وبدل التعليم الجامعي، وبدل رئاسة القسم، وغيرها من البدلات. ولأن الأول والثاني يوجب الحصول عليهما أن يكون في القسم عدم اكتفاء من السعوديين، وأن يدرس الأستاذ نصابه كاملاً، فقد منعت لجان التوظيف (التي تتكون من بعض هؤلاء الأساتذة) قبول كثير من المؤهلين والعائدين من الابتعاث بأعلى الشهادات، حتى لا يفقد الأساتذة الحاليين بدلي الندرة والنصاب التدريسي اللذين يصلان إلى 50 في المئة من الراتب، فالحل الذي اقترحته اللجنة لحل شكوى الأساتذة من ضعف الدخول منع توظيف المبتعثين. عودة إلى سلم الموظفين العام، فالضعف في سلم رواتبه عام وشامل من مرتبته الأولى إلى الـ15، التي هي مرتبة وكيل وزارة. ولو حاولت وزارة استقطاب كفاءات جيدة لإدارة العمل الحكومي فلن تجد مؤهلين يرغبون وظائفها بسبب ضعف الدخول مقارنة بحجم العمل ومتطلباته، وبما يجدونه في القطاع الخاص من رواتب ومزايا. ولذا لجأ كثير من الوزارات خلال الأعوام العشرة الماضية إلى إنشاء هيئات خاصة تتبعها، تقوم غالباً بأعمال تقوم بها إدارة صغيرة في الوزارة الأم. ويمكن سلم الهيئات الوزير من استقطاب مؤهلين لأن رواتبها جيدة مقارنة بالسلم العام للموظفين. ومن لم يستطع الحصول على هيئة لجأ (وكثر هذا أخيراً) إلى إنشاء شركة تتعاقد مع الوزارة وأصبح الوزراء يحضرون من يريدون من الكفاءات بالعقود على ملاك الشركة وعملهم الفعلي في الوزارة. بالطبع، لا لوم على وزير أو مسؤول يطلب منه الإنجاز والتطوير والتحسين، ولكنه لا يستطيع جلب الكفاءات التي يريدها لأن السلم المفروض عليه لا يساعده، بل يجبره إن أراد الإنجاز واستقطاب المؤهلين للقفز عليه بإنشاء هيئة أو شركة أو غيرهما ليستقطب من يرى أنه قادر على إنجاز الأعمال بكفاءة. خلاصة القول، إن سلم الموظفين العام والعسكريين وأساتذة الجامعات وغيرها من السلالم تحتاج إلى تطوير وإعادة نظر، وتحسين، ولعل أولى الخطوات هو أن تدخل كل البدلات ضمن الراتب الأساسي، وبما أنها تدفع للشخص طوال حياته في العمل، فلماذا لا يدفع الشخص مقابلها للتقاعد ويستفيد منها في تحسين راتبه التقاعدي؟ كما أنه ليس من المقبول ولا المعقول أن يترقى شخص بعد أعوام طويلة من الخدمة لمنصب كبير ولا يتجاوز راتبه مع البدلات على سلم الوظائف العام 25 إلى 30 ألف ريال، فيما الوكيل الآخر المقابل لمكتبه جاء على ملاك شركة متعاقدة مع الوزارة يصرف له شهرياً 150 ألف ريال، فأي عدل في هذا؟! ختاماً، رسالة للمسؤولين في الحكومة، إذا كنتم تتحدثون وتعقدون المؤتمرات وتدعون الخبراء الأجانب للحديث عن التطوير والتحفيز وكفاءة العمل، فالأولى توفير كل هذه المصاريف، فما لم يحل جوهر المشكلة فلن يتحسن أداء الحكومة وسنظل ندور في حلقة مفرغة من النقاش الخالي من كل معنى مفيد. وسلامتكم.