هل يمكنك أن تخمن أي الكتب طلبها الجهاديان يوسف ساروار ومحمد أحمد على شبكة الإنترنت من موقع أمازون قبل أن ينطلقا من برمنغهام للقتال في سوريا مايو الماضي؟ نسخة كتاب (معالم في الطريق) للإسلامي المصري سيد قطب؟ لا. ماذا عن (رسائل إلى العالم: تصريحات أسامة بن لادن)؟ خمن مرة أخرى. مهلاً، (دليل الفوضوى)؟ خطأ. اشترى ساروار وأحمد اللذان أقرا باقترافهما جرائم إرهابية مؤخراً أمام المحكمة (الإسلام للمبتدئين) Islam for Dummies و(القرآن للمبتدئين) The Koran for Dummies. لم نكن لنجد دليلاً أفضل من ذلك لدعم حجة أن الإسلام الذي يمتد لأكثر من 1400 سنة يكاد لا يمت بصلة للحركة الجهادية الحديثة. قد يحاول الشباب الذين يستمتعون استمتاعاً سادياً بالتفجيرات وجز الرقاب تبرير عنفهم باللجوء إلى النصوص الدينية -لنتذكر قتلى لي ريجبي وهم يصرخون (الله أكبر) خلال محاكمتهم، والمحسوب على الدولة الإسلامية وهو يقطع رأس جيمس فولي كجزء من (حرب مقدسة)- لكن النزق الديني ليس ما يحفز أغلبهم. في عام 2008، تم تسريب مذكرة موجزة سرية حول التطرف أصدرتها وحدة العلوم السلوكية للاستخبارات البريطانية ونشرتها صحيفة (الجارديان). وكشفت تلك المذكرة عن أن (عدداً كبيراً من المنغمسين في الإرهاب، بعيداً عن كونهم متعصبين دينيين، لا يمارسون شعائر دينهم. وكثير منهم لديه أمية دينية ومن الممكن اعتبارهم.. حديثي عهد بالدين). وانتهى المحللون إلى أن (الهوية الدينية الراسخة تحمي في واقع الأمر من التطرف العنيف)، بحسب تصريح الصحيفة. ولمزيد من الأدلة، طالع كتب الطبيب الشرعي النفسي والضابط السابق بالاستخبارات المركزية الأمريكية مارك ساجمان Marc Sageman، والعالم السياسي روبرت بيب Robert Pape، وخبير العلاقات الدولية ريك كولسات RikCoolsaet، والخبير الإسلامي أوليفييه روي Olivier Roy، وعالم الأنثروبولوجيا سكوت أتران Scott Atran. فقد درسوا جميعاً حيوات وخلفيات مئات من الجهاديين المسلحين والمدججين بالقنابل، وكلهم يتفقون على أن الإسلام لا يُلام على سلوك أمثال هؤلاء. وبدلاً من ذلك فهم يشيرون إلى دوافع أخرى للتطرف: الغضب الأخلاقي والسخط وضغوط الأنداد والبحث عن هوية جديدة وإحساس بالانتماء والهدف. وكما أوضح أتران في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في مارس 2010: (.. ليس القرآن ولا التعاليم الدينية هي ما تلهم أكثر الإرهابيين خطورة في العالم اليوم بقدر ما تلهمهم القضية المثيرة والدعوة إلى العمل اللتين تعدان بالمجد والاحترام والتقدير في أعين الأصدقاء، والاحترام الأبدي والخلود في العالم الأوسع). ووصف أتران الجهاديين المرتقبين بالشباب (المضجرين العاطلين والمُغالى في مؤهلاتهم والمحبطين) الذي يعتبر (الجهاد بالنسبة لهم رب عمل عادل ويَعِد بتكافؤ الفرص... ومثير ومهيب ورائع). أو كما قال كريس موريس Chris Morris ذات مرة، كاتب ومخرج الكوميديا السوداء (أربعة أسود) Four Lions عام 2010 -التي سخرت من جهل الجهاديين المسلميين البريطانيين وعدم كفاءتهم وسخافتهم- من أن (الإرهاب جوهره الأيديولوجية، لكنه أيضاً يرتبط بالأغبياء). الأغبياء، لا الشهداء. ونقلاً عن الرئيس الأسبق للاستخبارات البريطانية ريتشارد ديرلاف Richard Dearlove: (هم شخصيات مثيرة للشفقة، لا محاربون مقدسون). إذا أردنا أن نتعاطى مع الجهادية، فإننا بحاجة إلى الكف عن المغالاة في التهديد الذي يمثله هؤلاء الشباب، ومنحهم الدعاية التي يتوقون إليها، وبحاجة إلى الشروع في بيان كيف أن كثيراً جداً منهم عاشوا حياة غير إسلامية بلا تردد. عندما عاش في الفلبين في التسعينات، حلّق خالد شيخ محمد، الذي وصفته لجنة 11 - 9 بـ(العقل المدبر) لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، بطائرة مروحية أمام البناية التي تعمل فيها حبيبته معلقاً شعار (أحبك) بذيل الطائرة. وكان لابن أخيه رمزي يوسف، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في تفجيرات مركز التجارة العالمي، حبيبة أيضاً، وشأنه شأن عمه كثيراً ما شوهد في المنطقة سيئة السمعة بمدينة مانيلا. وقال ضابط مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي الذي طارد يوسف إنه (كان يستتر وراء عباءة الإسلام). وتوحي روايات شهود عيان بأن خاطفي طائرات هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا يترددون على الحانات وملاهي العرايا في فلوريدا ولاس فيجاس خلال فترة الإعداد للهجمات الإرهابية. ويذكر الجيران الإسبان لحامد أحمد ان المُدان لدوره في تفجيرات قطار مدريد عام 2004 أنه كان (ينطلق بدراجته البخارية وخلفه حبيبته الإسبانية طويلة الشعر التي يحلو لها ارتداء ملابس مثيرة)، بحسب ما أفادت التقارير الصحافية. لا شك أن الدين يلعب دوراً، ولاسيما الشكل المشوه والمُسيّس للإسلام حيث يلعب دور (الباعث الوجداني) (بحسب تعبير أتران)، كوسيلة للتنفيس عن الغضب وتعبئة الحشود في العالم الذي يتمتع بأغلبية مسلمة. لكن التظاهر بأن الخطر ينبع وحسب من الأتقياء من الممكن أن يكلفنا أرواحاً كثيرة. وأياً كان ما تحملك صحيفة (ديلي ميل) ومايكل جوف Michael Gove على تصديقه، فإن اللحى الطويلة والجلاليب المتدلية ليست مؤشرات على التطرف، ووجهات النظر المغالية في التحفظ أو الرجعية لا تفضي تلقائياً إلى أعمال عنف. والمسلمون ليسوا جميعاً إسلاميين، والإسلاميون ليسوا كلهم جهاديين، والجهاديون ليسوا جميعاً أتقياء. والزعم بما يخالف ذلك ليس غير صحيح فعلياً وحسب، بل ومن الممكن أن يكون مدمراً أيضاً. لنلقِ نظرة على فيلم (أربعة أسود). عمر زعيم عصابة من الانتحاريين المرتقبين، لطيف المعشر، حليق الوجه، وراق جداً، فهو يقرأ على ابنه قصص ديزني، وينشد أغنية (أرقص على ضوء القمر) لفرقة تولودر Toploader مع رفاقه، ولا تعنيه بالمرة المعتقدات أو الممارسات الإسلامية. وفي المقابل، نجد أخيه أحمد سلفياً ملتحياً وأصولياً دينياً لا تقع عينه على امرأة، ويعتقد أن الضحك لا يصح من وجهة نظر الإسلام، لكنه ليس لديه وقت للعنف أو الجهاد في الوقت نفسه. أغارت الشرطة على بيت أحمد المُسالم بدلاً من عمر، ما أعطى الأخير فرصة الهرب وشن هجوم على فرع من فروع محلات بوتس Boots. بالرجوع إلى أرض الواقع، وبينما يشتري جهاديو المستقبل كتباً مثل (الإسلام للمبتدئين)، يجب أن يبادر الوزراء وكبار رجال الأمن بالخوض في عالم الإنترنت وعمل طلبية لمجموعة أقراص مدمجة لفيلم (أربعة أسود). فقد يتعلمون منها شيئاً.