غادرنا أمس إلى دار الخلود: العالم الفيزيائي، الفيلسوف، الأديب، اللغوي، المؤرخ، الشاعر، الفقيه المالكي، الدكتور/ راشد المبارك، أكرم الله وفادته. ورغم أن الموت حسم بالراحة والطمأنينة، صراعه الطويل الأليم مع مرض القلب، المزدحم بالسكان من وطنه ومن كل بقاع الأرض؛ إلا أنه ربما (وربما فقط) كان من أسباب وفاته إنكار أحد الوعاظ دوران الأرض! فمن أشهر آراء الدكتور/ راشد: أن المقصود بالعلماء في قوله تعالى في سورة (فاطر): {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ}: علماء الدنيا، من طبيعة، وأحياء، وجيولوجيا، وفلك، وغيرها؛ بدليل الآية السابقة (27)، وبداية الآية (28): {ألم ترَ أنَّ الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفاً ألوانُها ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ وحمرٌ مختلفٌ ألوانُها وغرابيبُ سودٌ (27) ومن الناس والدوابِّ والأنعامِ مختلفٌ ألوانه كذلك ..... الآية}، فالعلماء بكل ما سبق هم أهل الخشية والتقوى، مع عدم الاستهانة بأي اختصاص آخر! ومع تعدد علوم هذا الرجل، فإنه من العسير الإحاطة بإرثه الغزير، ولو اكتفينا بطباعة ونشر محاضرات (أحديته) الشهيرة على مدى (30) عاماً لخرجنا بموسوعةٍ هائلة، ولكن ما هو أجدر بالنشر هذه الأيام، هو (ملف) كبير، يحوي خطاباته (رحمه الله) مع أصدقاء عمره وهم تحديداً: سلطان، ونايف، وسطام (غفر الله لهم) والملك سلمان (أيده الله)، أبناء الموحد العظيم، رحمه الله! وقد كنت من القليل جداً من مريديه، الذين اختصهم بالاطلاع على صفحات من ذلك (الكنز)! وكان ذلك بعد عودته من رحلة العلاج الطويلة (2008م)، حيث شرفني بقراءة ما تيسر منه بحضور الفريق متقاعد/ عبدالعزيزهنيدي، ورجل الأعمال أحمد مشهور الغامدي! ورفض تزويدي بنسخة منه، رغم قناعته بأن محتوى الملف أصبح تاريخاً، من حق الأجيال أن تطِّلع عليه، لتعرف أن أبا بسام كان نموذجاً للمثقف الوجيه، الذي كلما ازداد قرباً من ولاة الأمر صار أكثر وضوحاً، وأجرأ على نقل معاناة المواطنين! ورغم أن مسؤوليته تنتهي عند مجرد إبداء رأيه لهم، إلا أنه لم يكتب لهم شيئاً إلا وجاءه الرد منهم مكتوباً، بالعمل بما اقترحه، أو شكره على ما وضحه، واستشارته في اقتراحٍ أفضل!! نقلا عن مكة