×
محافظة المنطقة الشرقية

الهيئة الملكية للجبيل وينبع تنعى أحد طلاب مدارسها

صورة الخبر

باستثناء الاقتحام الغريب لـ «الموصل» وابتداء التمدد في الرقة، فإن «داعش» لا يختلف عن الجماعات المماثلة سوى في الإخراج السينمائي وصناعة التسلسل الدرامي التصاعدي، وصولاً إلى ذروة افتراضية تستجلب المزيد من الجمهور. تتوافر لدى «داعش» أموال ضخمة، ويسيطر على أسلحة حديثة متنوعة، ولديه الآلاف من التابعين، إلا أنه لم يخض حرب مواجهة ناجحة حتى الآن، فهو خسر في عين العرب (كوباني) بشكل مريع، وصدّته «البيشمركة» في كل مواجهة بينهما، فهو لا يملك سوى الحركة في المناطق المائعة في سورية والعراق، حيث لا سلطة تضاهيه ولا قوة تجابهه. في الفترة الأولى قبيل اقتحام الموصل، كان «داعش» يكثر من الاستعراضات العسكرية والمواكب المهيبة عبر مقاطع عالية الجودة وبارعة في إيصال رسالة القوة والجبروت. كان يستعرض بالمسميات الشكلية للدولة، فيفرض الضرائب ويعلن إنشاء مؤسسات الحكم وتوزيع المناصب، مستنداً إلى أمنه المطلق في الرقة، فقدّمها نموذجاً رومانسياً لكل حالم مشحون آيديولوجياً بفكرة الخلافة وصورتها المخزنة في الذاكرة، معاكساً الجماعات الأخرى التي جعلت هدفها الأساس محاربة الآخر قبل تكوين الدولة، فلم تتمتّع بمنطقة تجمّع مفتوحة ومركز للحياة الاجتماعية التقليدية. كان نشيطاً في الترويج الإعلامي عبر «تويتر»، فمقاتلوه يلقون النكات ويشجعون الأندية ويراهنون على استقطاب زملائهم ومجايليهم. يختلف «داعش» في انخفاض متطلباته الأيديولوجية، فيكفي كل متحمّس أن يقطع تذكرة إلى تركيا، وبعدها يصل إلى الرقة ويتحوّل إلى مقاتل، فلا طريق إلى العودة ولا مجال للندم إلا عبر سيارة مفخخة أو حزام ناسف. قبل مأزق عين العرب، كانت صور التنظيم ومقاطعه تدور حول مظاهر القوة، والتجارب الرومانسية للملتحقين، ومشاهد العائلة السعيدة وهي تجوب شوارع الرقة بسلاحها في أمن، وصور مراكز التنظيم وقد غطاها السواد، فلا كهوف ولا اختباء أو هرب دائم، بل حياة مدنية مكتملة وسلطة طاغية وعنف شرس على كل ضحية أسالت لعاب شهوات القتل والذبح والتعذيب لدى المعتوهين في أنحاء العالم، إذ وجدوا جنتهم الخالية من العقاب والملاحقة والسجن، فتقاطروا الى الانضمام إلى «داعش» ليمارسوا بحرية مطلقة كل نشوات النفوس المريضة، ولا ضير من دفع ثمن هذه المتعة بإعلان الولاء الذي يفتح لهم كل الأبواب ويمكّنهم من رقاب الناس وحيواتهم. كانت هذه أيام النشوة قبل الانكسارات المتلاحقة، فاختفت مظاهر الاستعراض والمواكب، وخفتت صور المتحمسين المحتفلين بتمزيق جوازاتهم، وتراجعت الحسابات النشيطة في «تويتر»، بينما بقي جزء واحد متماسك هو الفريق التلفزيوني القادر على بث الحياة في التنظيم عبر أنماط ضعيفة في ذاتها، لكنها قادرة على خلق الأثر الدرامي. «داعش» عمل سينمائي يديره مخرج مجنون بصناعة الرعب وتسويقه، ينتشي في الظل بهذا المديح الذي يحصده على الإتقان في الاستعراض وبناء الذروة، يستوحي من القاتلين جوانب متعة الدم، فيجسّدها في أفلام مكتملة تعوّض غياب الفاعلية الميدانية للتنظيم وتنشر مزيداً من الرعب. ذبح المصريين الأقباط، وقبله إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، كانا ناجحين في دمويتهما وليس في الميدان، ومن المؤكد أن ذبح العمال المساكين يعلن خيبة التنظيم عملياً وقدرته على المواجهة، وإنما هم مجموعة لصوص يقودهم مخرج سينمائي يبحث عن مجد لم يحققه في الواقع، ولو بُحث عن المخرجين الذين لم ينجحوا ثم اختفوا لكان أحدهم. «داعش» يتآكل عسكرياً، لكن أفلامه المقبلة ستكون أكثر عنفاً ووحشية ورعباً، فهي سلاحه الحي حتى الآن، والثابت أن المخرج واحد له لغة ثابتة، فكيف انتقل من الرقة إلى سرت؟