منذ بداية القرن الماضي وجد الانجليز ضالتهم في الحركات الاسلامية، على اختلافها السنية والشيعية والصوفية، واعتنوا بكل المذاهب وكل ما يؤدي الى تعزيز الاختلافات والتناقضات، الثقافية والدينية، وحتى الحدودية، فقد خرجوا، لكنهم وضعوا كل كوامن الخلاف والاشتعال، لدرجة ان أحد دبلوماسيي بريطانيا، كان يفخر بأن بلاده، الجزيرة الصغيرة، كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، مؤكدا ان الدهاء السياسي، يمكنه ان يضاعف حجم الجغرافيا، وحجم التأثير. وبريطانيا نفخت في روح هذه التنظيمات، لتصبح كل واحدة منها دينا بذاته، لا يقبل الاخر، وبعضها كانت اغراض وجوده هدم الدين، بمعول الاختلاف، وبعضها لجأ للتزمت والتشدد، وبعض قادتها على اختلافهم فضلوا الاقامة في لندن، بدءا من حزب الدعوة والتحرير والاخوان الى بعض العوائل والاسر الدينية، ولعل حركة الاخوان المسلمين واحدة من التنظيمات التي جرى اختراقها، في الوقت الذي تم فيه اختراق الاحزاب القومية بحجة التحرر الوطني والقومي، اولا لتجاوز العامل الديني والمذهبي، وثانيا لإيجاد اطار صراعي جديد بين هذه الاطراف، الى صعود العسكر الى السلطة بحجة بناء الدولة الوطنية والقومية، على حساب الجهاد الديني لتحرير الارض من الاستعمار الغربي، وهو الجهاد الذي اتخذ صبغة وطنية شارك فيه السنة والشيعة وغيرهم من المكونات القومية والدينية فكانت الحالة الثقافية والفكرية والسياسية هي علاقة مد وجزر بين هذين المكونين الاسلامي والقومي، الاسلاميون يتهمون القوميين بالعلمانية، والقوميون يتهمون الاسلاميين بالعمالة والرجعية، وظل الصراع مستمرا، لكنه صراع غير دموي، وكان من اهداف وجود الاخوان مواجهة المد القومي واليساري، وكانوا الاقرب الى النظم السياسية الحاكمة، لا بل ان العلاقة كانت قوية بين الطرفين، غير ان مرحلة الجهاد الافغاني لطرد الاحتلال السوفيتي (الشيوعي) تطلبت آنذاك مواجهتها بستار ديني، فتحت فيه المخابرات الامريكية وتحديدا زلماي خليل زاده المسؤول عن التنسيق وهذه التنظيمات في الثمانينيات، فتحت خطوط اتصال خلفية على الاخوان للقيام بهذه المهمة، استخدمتهم واشنطن لخدمة اغراضها لمواجهة الشيوعية، وايضا للتخلص من الفائض الديني في قندهار وغيرها، فالحروب تحرق وتحترق، ومثلما تم التخلص من الفائض القومي في الحرب الايرانية مع العراق في الثمانينيات. وبعد سنوات من التعامل المشترك بين المخابرات الامريكية والتنظيمات الاسلامية في افغانستان، كانت النتيجة المتوقعة ان تعترف واشنطن بالفضل للمجاهدين لإقامة دولة طالبان الاسلامية، الا ان واشنطن كانت تتخوف من هذه الظاهرة، فكانت 11 سبتمبر 2001 المشكوك في امرها وفقا لمعلومات روسية نشرتها صحيفة برافدا قبل اسبوعين، لتؤكد ان هدف 11 ايلول هو منح واشنطن مبررات كافية لعاملين الاول صناعة العدو الاسلامي، والثاني اجتياح دول العالم والسيطرة على النفط. بعد سقوط طالبان وعودة الافغان العرب، كانت قيادات القاعدة قد تعاونت سابقا مع السي اي ايه، وبعد التسعينيات، بدأت قيادات الصف الثاني والثالث اقل مهنية والتزاما عقائديا، بدأت المخابرات الاقليمية في اختراقها، من المخابرات الايرانية الى السورية والتركية، ناهيك عن الاستخبارات الروسية التي وجدت بأن هناك مشتركا بينها والاسلاميين في اضعاف واشنطن، واشنطن التي ساهمت في تفكيك الاتحاد السوفيتي، وفي تفكيك طالبان، لا بل ان متقاعدين من الاستخبارات السوفيتية والجيش، كانوا يستشعرون ان كرامتهم الوطنية قد ثلمت، وان عليهم رد الصاع صاعين لواشنطن، ولهذا ظهرت شركات تجارية لهم، بدأت سلسلة من الاتصالات والعلاقات السرية بينهم، تزامنت ايضا مع استشعار العراقيين بثلم كرامتهم الوطنية بعد الاحتلال، وكذلك السوريون والليبيون، ولهذا ظهر الدواعش يرفعون راية السنة والاسلام، لكنهم في الداخل مخترقون لصالح الاستخبارات الدولية وصراعاتها في المنطقة، وظهر الصراع بين المكونات الاسلامية، لتزداد معالم التفكك والتفتيت. حكاية الحرق وجز الرؤوس والتفنن بقتل ذوي المذاهب المختلفة، بشكل مروع، يؤسس لبذر الفناء في المنطقة، يؤسس لحروب طويلة ودينية، والمشكلة ان البيئة تحتمل مثل هذا الصراع على اسس طائفية، فهي بيئة موتورة، وهناك من يساهمون في صب ما يزيدها اشتعالا، حتى من بعض الدول التي تدعي حرصها على الاسلام والعالم الاسلامي، وهناك من يعتبرها فرصة للانفصال وبناء دولة على نهر من الدماء والجثث والجماجم، وهناك من ينظر استراتيجيا لهذه المنطقة الحيوية من العالم، والواجب وفقا لقناعاته ان تظل منطقة متخلفة ممنوعة من التطور والتقدم، وهناك مخاوف حقيقية من الاسلام، لدرجة ان الناتو في العام 1994 وضع تصورا استراتيجيا لمواجهة الخطر الاسلامي. الخطر الحقيقي ليس في تنمية وتطور هذه المنطقة، وليس الخطر في الاسلام الحضاري والانساني، بل الخطر يكمن في التخلف، في العقليات الصنمية، في التفسيرات الشاذة والمجزوءة، في منطق خوارج العصر، الذين يعتقدون بنظرية الغلبة عبر تكريس ثقافة الخوف والرعب وادارة التوحش، هؤلاء هم الاخطر على الامن الانساني والدولي، وعلى المجتمعات والثقافة والحضارة الانسانية، وقد حذرت المملكة منهم ذات يوم، والسؤال الذي يطرح نفسه على المفكرين والمثقفين، ما دوركم ومسئوليتكم عما يجري، وكيف يمكن مواجهته بحكمة ووعي؟ باحث سياسي