×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / طلاب الهندسة بجامعة الدمام يحققون مراكز متقدمة في مؤتمر المياه العربية

صورة الخبر

تشغل الهوية في ثقافتنا حيزاً مهماً. وتحتاج ليس فقط إلى إعادة نظر ولكن إلى تشكيلها من جديد وفق معطيات العصر وبعض معاييره. الهوية ليست كتلة جامدة، أنجزت في حقبة وانتهى أمر وجودها. الروائي اللبناني الفرنسي، أمين معلوف، كان محقاً عندما طرح هذه القضية بعمق في روايتيه: أصول والتائهون، ولكن أيضاً في كتابه المهم: الهويات القاتلة الذي أثار جدلاً واسعاً حول كيف يمكن لكاتب عربي أن يعيش هويته المزدوجة، العربية بكل مكوناتها وخصوصياتها وقلقها أيضاً ؟ وهويته الفرنسية بكل تمايزاتها اللغوية والثقافية والحضارية؟ كيف يمكنه أن يجمع بين متناقضين تاريخياً، شرق وغرب، في هوية موحدة تشكل مساراته الحياتية والوجودية، من دون أن يشعر بالتقصير في هذا الجانب أو ذاك. كانت الأمور أوضح سابقاً. الآباء المهاجرون كانوا يأتون إلى أوروبا، فيجمعون المال ويعودون بعدها إلى أراضيهم فيعيشون بقية حياتهم هناك، ويدفنون في تربتهم التي ولدوا فيها. في أرض الغربة هو مجرد مغترب وافد، بالنسبة له وللآخر أيضاً. الأمر لا التباس فيه. لكن الآن الوضع تغير نهائياً. لقد أصبح ابن المغترب الوافد، هو ابن الأرض الجديدة، وينتمي إليها ثقافياً وحضارياً ولو في جزئه الأكبر. الكثير من العرب المتعصبين يرون في أمين معلوف خيانة لهويته الأصلية لأنه يكتب بلغة غير لغته. والكثير من الفرنسيين العنصريين أيضاً يرون فيه حالة وافدة على فرنسا تكتب بالفرنسية، لكنها لم تتخلَّ عن عروبتها، أي أنه ليس فرنسياً كاملاً؟ وكأن الهوية ليست اغتناء دائماً، ولكنها حرب تُشن باستمرار على الآخر الذي لم يعد آخر. الإشكالية الأساسية، وربما المعقدة أيضاً هي كيف نجمع بين الشتات الذي كثيراً ما يكون مؤثثاً بالمسبقات، من طرف الآخر والأنا في الوقت نفسه. الهوية كيان كلي مكون من سلسلة من الأجزاء والتفاصيل، بعضها مرئي، وبعضها الآخر غير مرئي. كلما دخلت عملية الانتقاء في صلب الهوية، وفق الحاجة المرحلية، قتلتها وأفرغتها من محتواها. الانتساب إلى هوية ما يقتضي وجود مسؤولية كبيرة. أي أن يكون الإنسان واعياً لخياراته التي ينتهجها. وهذا يضيف عنصراً آخر إلى الهوية وهو رؤية الحياة في اتساعها. أي أن لا تتحول الهوية إلى جهاز لمنع الإنسان من أي تطور لأنها عندما تتحول إلى معوق لأي انتقال نوعي في حياة الفرد والجماعات، تصبح شكلاً من أشكال الضغينة. أي أنها عندما تتحول إلى حاجز بين الإنسان وبين نفسه، كما هو، وبينه وبين الآخر المتطور، تكف عن أن تكون إيجابية، وتصبح هوية تدميرية للذات قبل الغير. عناصر الهوية ليست فقط ما نتلقاه من ثقافة خاصة وتربية، فهي أيضاً ما ننشئه من إمكانات وعلاقات حداثية وتنويرية مع عصرنا. لسنا وحدنا على هذه الأرض أبداً. نحن جزء من عالم واسع تتعارك فيه الأفكار، فإما أن نكون مساهمين فيه، في سلامه وفي خيره، أو نكون ضمن قافلة الموت. في صفّ التقتيل والحروب العمياء. كل رهانات الهويات القادمة هي إما أن تكون إنسانية ومفتوحة على بعضها أو تندثر ساحبة في أثرها تاريخها. الهويات عندما تتمركز حول ذاتها، تموت، أو تصبح متوحشة لأنها ترى في الآخر عدواً مفترضاً، سواء تأسست على الأديان أم على العرقيات أو القوميات والضيق اللغوي والإيديولوجيات أيضاً. الهوية اغتناء وسلام واعتراف بالآخر كما هو في خصوصيته في سياق مواطنة ديناميكية وحية ومتجددة ضامنة للتنوع والغنى. طبعاً في ظل الهويات الضيقة والمأساوية ليس الأمر سهلاً لكنه إمكانية يجب الاشتغال عليها لإدراك أفقها وإلا فأهلاً بغباوة حروب الأصول والأعراق.