قبل أسابيع، وفي اليوم الذي كان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني يقف على رأس مشيعي العميد حميد تقوي الذي قيل إنه قضى في سامراء دفاعا عن العتبات المقدسة، ويقول للحاضرين إنه إذا لم يبذل أمثال الشهيد تقوي دماءهم في سامراء فإن الإرهابيين سيسفكون الدماء في سيستان وأذربيجان وطهران ويزد وشيراز.. في نفس اليوم كانت وكالة فارس تعلن أن ثلاثة من كوادر الحرس الثوري استشهدوا خلال أداء مهامهم على يد أشرار مسلحين في المنطقة الحدودية جنوب شرق البلاد. ولم تكن هذه العملية هي الأولى التي تنفذ ضد عناصر من حرس الحدود الإيراني والحرس الثوري خلال الشهور الأخيرة، فقد سبقتها عمليات عدة اعترفت بها الدوائر الإيرانية، وعكستها تصريحات عدة من مسؤولين إيرانيين تتهدد وتتوعد، أو تؤكد وتطمئن الجمهور الإيراني على أن الوضع الأمني الداخلي بخير ولن يتزعزع. بوسع إيران أن تتلاعب بأوضاع عدد من الدول العربية عبر الأقليات الشيعية، فضلا عن احتلال دول أخرى، لكنها لن تتحكم في المقابل بردة فعل الآخرين على ذلك، بخاصة حين تتجاوز إيران الدول المشار إليها نحو التدخل في شؤون الدول الأخرى عبر الأقليات الشيعية كما عكستها بيانات أخرى تعلن القبض على عناصر إرهابية كانت تستهدف أمن البلاد، وآخرها ما صدر يوم السبت 14 فبراير/شباط عن وزير الأمن الإيراني محمود علوي، الذي أعلن بحسب وكالة فارس، نجاح رجال وزارته بالتعاون مع الحرس الثوري وقوى الأمن الداخلي والأهالي في القضاء على مقرات مجموعة إرهابية في محافظة سيستان وبلوشستان، واعتقال عدد من عناصرها. واللافت في القضية -كما تبدت في الآونة الأخيرة- هو دخول تنظيم الدولة على خط الوضع الداخلي الإيراني، حيث ظهرت شعاراته في أكثر من مكان في إيران، بخاصة المناطق التي تشهد اضطرابات في العادة، أو تعاني من بعض المظالم كما هي حال مناطق الأحواز وبلوشستان على الحدود مع باكستان، وهو ما دفع الحكومة الإيرانية إلى توجيه تهديدات إلى باكستان بضرورة ضبط الحدود بشكل أفضل، وبالطبع نظرا لتداخل القبائل بين البلدين في هذه المنطقة. قد يبدو حديثنا هنا أقرب إلى روح الشماتة، لكن واقع الحال هو أنه توصيف للوضع، وقد سبق أن توقعنا ذلك منذ عامين، فمن يعبث بأحشاء الآخرين سيجد من دون شك من يتلاعبون بأحشائه، وكم من مرة دخلت إيران على خط بعض المجموعات الكردية في تركيا. والأهم من ذلك كله هو أنها حين تتحول إلى دولة مذهب تنطق باسم منتسبيه في كل مكان، وتعتبر نفسها وصية عليهم، فمن الطبيعي أن يتدخل الآخرون في وضعها الداخلي عبر دعم مجموعات غاضبة، إن بروح قومية، كما هي حال عرب الأحواز الذين يعرف الجميع أن غالبيتهم من الشيعة، أم من السنّة الذين يشعرون بمظالم مريرة، وكلا الطرفين يعاني من ظلم وتمييز، وجرى إعدام المئات من نشطائهما وعلمائهما خلال الأعوام الأخيرة، الأمر الذي لفت انتباه الدوائر الأجنبية ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، من دون أن يشير إليها أي نظام عربي أو إسلامي، وبالطبع خوفا من الغضب الإيراني، لكن الأمر لن يستمر على هذه الحال بكل تأكيد. لا شك أن بوسع إيران أن تتلاعب بأوضاع عدد من الدول العربية عبر الأقليات الشيعية، فضلا عن احتلال سوريا والعراق واليمن، وسيطرة عملية على لبنان، لكنها لن تتحكم في المقابل بردة فعل الآخرين على ذلك، بخاصة حين تتجاوز إيران الدول المشار إليها نحو التدخل في شؤون الدول الأخرى عبر الأقليات الشيعية، فضلا عن أن تدفعها نحو بعض أشكال الاحتجاج من أجل الضغط السياسي، فيما يعرف الجميع أن إشارات التصعيد أو التهدئة غالبا ما تأتي من الوصي، حتى لو كان لبعضها مظالم حقيقية. الحاضنة الشعبية للعنف موجودة في عدد من المناطق في إيران، ومن الطبيعي أن أي دعم خارجي سيؤدي إلى تصاعد العمليات، وأقله الاحتجاجات، مما سيضيف أعباء جديدة على دولة مستنزفة اقتصاديا على نحو رهيب في دول أخرى اليوم يبدو أن هناك أطرافا عربية قد قررت الرد على النيران بالمثل، فضلا عن توجه خاص من قبل بعض الفصائل مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية على هذا الصعيد، ولذلك لا يُستبعد أن نشهد بعض العمليات داخل إيران خلال المرحلة المقبلة، وهي ستكون مكلفة رغم القدرات الأمنية الكبيرة للدولة الإيرانية، فضلا عن الاحتجاجات السلمية، مثل المظاهرات التي شهدتها مناطق الأحواز يوم السبت 14 فبراير/شباط الجاري، وإن كانت بشعارات مطلبية محلية، لا يمكن فصلها عن المظالم السياسية التي يتعرض لها أهل هذه المنطقة التي تمنح إيران الجزء الأكبر من ثرواتها. الحاضنة الشعبية للعنف موجودة في عدد من المناطق في إيران، ومن الطبيعي أن أي دعم خارجي سيؤدي إلى تصاعد العمليات، وأقله الاحتجاجات، مما سيضيف أعباء جديدة على دولة مستنزفة اقتصاديا على نحو رهيب في سوريا والعراق واليمن، وربما لبنان أيضا. إنها أزمة كبيرة لن يحلها غير تفاهم إقليمي (عربي تركي إيراني) على تسوية جميع الملفات العالقة، وعلى نحو يكف عن خدمة الكيان الصهيوني والغرب بصراعات لن تربحها إيران عسكريا، ولو استمرت عشر سنوات أخرى، لأن الأقلية لن تعلن حربا على الأغلبية ثم تربحها في عموم المنطقة. ساهمت إيران بقوة في إجهاض ربيع العرب الذي كان يبشر بدولة مواطنة يتساوى فيها الجميع بصرف النظر عن المذهب والعرق، لكن التفاهم الإقليمي قد يكون مقدمة لنضال جديد من أجل استكمال الربيع أو استعادته بتعبير أدق. هل سيحدث ذلك؟ نعم، ولكن السؤال: متى؟ وكم من الكلفة الإضافية ستدفع الأمة في هذا الصراع؟ المصدر : الجزيرة