كراسٍ حمر منجّدة بالحرير الأحمر المُخملي، إضاءات خافتة بيض منبعثة من بعيد، تتأرجح على أجساد فتيات نحيلات دككن أرض المسرح دكاً بأقدامهن الجرداء وإيماءاتهن المعبّرة وحركات أجسادهن الحادة في عرض «همزة وصل» لمصمّمة الرقص الأميركية نيكول رودريغو. العرض الذي قُدّم على «مسرح سينما ريو» يبحث عن قراءات بصرية وحركية متعدّدة لصراع الهوية والذي يحمل إسقاطات وتفسيرات لامتناهية، حول الانتماء والتعرف على الآخر والتواصل معه. وسعت رودريغو الى مشاركة الجمهور جزءاً من خبرتها وتجربتها الشخصية والحياتية، فقدمت أشكالاً مختلفة من المشاهد الراقصة، لتتحدى غـــرائزهم وتكتشف ردود أفعالهم وتأمل في التعرف على هويتهم، كي تصل إلى طريقة للتفاعل معهم بشكل شخصي. وعكست رودريغو لغة الجسد الإشارية، من خلال إيقاعات الموسيقى المعاصرة التي ترتفع تارة وتنخفض تارة أخرى على ايقاع أجساد الفتيات اللواتي انحنين وتمايلن وتواجهن وتلاقين وتنافرن، ما عكس حالة من التشنّجات التي يعيشها الإنسان في مرحلــــة بحثه الدائم عن هويته الذاتية، فيصـــبح أسير هوية صورية شكلية بلا جذور ولا تاريخ ولا موروث ثقافي أو حـــضاري يمارس فيه فعل الانبهار والدهــشة والاغتراب. ويطرح العرض تساؤلات درامية عن كيفية التواصل مع الآخـــرين، بهدف تغيير الآراء التــــي تحمل المفاهيم المغلوطة، ما قـــد يؤدي إلى تجسير الهوّة الفكرية بين الثقافات وتخطي العقبات. وعن العرض توضح رودريغو التي تمارس الرقص منذ 10 سنوات، أنه محاولة لتسليط الضوء على حالة الهوية الفطرية التي يعيشها الإنسان بمختلف أشكالها والتي قد تسوقه الى العزلة، بخاصة مع ازدياد التعامل مع التكنولوجيا. وتقول: «يظل سؤال الهوية الوطنية أو الذاتية مؤرقاً للجميع»، متسائلة: «هل يتمسك كل منا بهويته وجذوره فيزداد انعزالية وانغلاقاً مهما زاد انفتاح الواقع الذي يعيش فيه أو يتحول للذوبان في الهوية العالمية؟». واجهت رودريغو القادمة من مجتمع تعددي حرّ، تحديات كثيرة، منذ قررت الانتقال إلى مصر في خريف 2011، وتأسيس شركة فنية. فهي تحاول التعرف على أشياء جديدة قائمة على عادات وتقاليد وموروثات حضارية جعلتها تتحدى نفسها والأفكار التي نشأت عليها في الولايات المتحدة كفتاة بيضاء، شقراء الشعر، لديها وشم على جسدها يعتبره كثيرون شيئاً غريباً عن ثقافة الفتاة المصرية. وتؤكد الراقصة الأميركية أهمية وجود همزة الوصل بينها وبين ثقافات وآراء أخرى، وهو ما حاولت إدراجه في عرضها الراقص هنا. فهي تفعل ما تؤمن وتقتنع به مع احترام البيئة المحيطة بها التي أصبحت جزءاً منها في الوقت الحالي. وبعد تقديم العرض، أجرت رودريغو حواراً مفتوحاً مع الحضور، وناقشت تجربتها الشخصية على مدى عشر سنين. وهي حاصلة على شهادة دراسات عليا في الرقص المعاصر، وشاركت عروضها الانتروبولوجية - الاجتماعية في مهرجان دمبو في بروكلين، ومهرجانات أخرى في مدن أميركية عدة.