حققت الأوامر الملكية التي ألغت 12 مجلسا وهيئة ولجنة، فوائد عديدة؛ من أهمها منح الوزارات والمؤسسات العامة حقها في اتخاذ القرار والتعامل الفوري مع المعطيات التي يمكن أن تؤثر بشكل أو آخر في مستقبلها. إن حجم وتكوين تلك المجالس كان عائقا لاجتماعها واتخاذ القرار، وهو أمر سبب التسويف والتعطيل والتأثير في كفاءة وأداء والتزام الأجهزة. على أن الأعمال المهمة التي لا تزال هناك ضرورة لتنفيذها، أحيلت إلى المجلسين الجديدين وهما مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الاقتصاد والتنمية. استبشر المواطنون بهذا التقليص مع بداية الفترة الوزارية الجديدة. أكاد أجزم أن المجلسين الجديدين سيكونان عنوان المرحلة المقبلة بناء على الصلاحيات الواسعة الممنوحة لهما والتشكيل الذي يضم عناصر مهمة من وزارات مختلفة. جاء بالأمس خبر مباشرة المجلسين أعمالهما، وذلك هو المؤشر المبدئي على أن الأمور للأحسن، بداية موفقة أتمنى أن تكرس روح البناء على تقنية المعلومات والمتابعة المستمرة لأداء القطاعات والأوضاع الدولية، وسبر الكثير من المخاطر والفرص المتاحة التي يجب أن تتعامل معها المملكة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها. كل هذا يعني أن هناك عملية مؤسسية تنتظر البروز والسيطرة على مختلف جوانب التنمية واتخاذ القرار في المملكة. كما يعني أن هناك توجها نحو توسيع قاعدة المعلومات المتوافرة لمتخذ القرار وزيادة عدد المصادر التي يمكن أن توفر تلك المعلومات، وأساليب بناء القرارات الحاسمة. يجعلني هذا أدعو إلى إنشاء مراكز متقدمة للسبر والدراسة والبحوث وهو ما يعرف بـ "مخازن الفكر". هذه المراكز تسيطر على القرار في أغلب دول العالم، بناء على ما تقدمه من معلومات وتحليلات للأوضاع في المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، ما يجعل متخذ القرار يطلع على كل ما يدور داخل نطاق اهتمامه الحالي وخارجه، ويضمن أن تكون القرارات أكثر واقعية وملاءمة للزمان والمكان والمستقبل. هذه المراكز تعيش على الإيرادات التي تحققها من خلال إعطائها الفرصة للتحليل والدراسة وتقديم الاستشارات في مختلف المجالات. كما يقوم العلماء العاملون فيها بدور مهم في توعية المسؤولين وتقديم المستجدات من خلال الدورات والمؤتمرات والدوريات المحكمة التي تصدرها. المراقب يعلم أهمية أن تكون مراكز الفكر هذه أساسا لما تبني عليه مجالسنا السيادية الجديدة والقائمة حاليا.