يقسم (ابن رشد) العظيم الناس (المتلقين) إلى ثلاثة أقسام: 1) أهل الخطاب (ذوو العاطفة السريعة المتطرفة حباً أو كرهاً). 2) أهل البرهان (الذين يتخذون من العقل مرشداً للفهم، ولكنهم يؤمنون بمحدوديته؛ فإن تعارض مع شيءٍ من الثوابت عمدوا إلى التأويل، وهو التوجيه بلغة التراث، وفي التراث يمثلهم الأشاعرة)! 3) أهل الجدل (ولا إمام عندهم سوى العقل، اللامحدود في نظرهم، القادر على تفسير كل المشكلات، والإجابة على كل الأسئلة! ويمثلهم في التراث: المعتزلة)! ويرى (ابن رشد) أن إعجاز القرآن العظيم يكمن في مخاطبته كل قسم باللغة التي يتقنها، بحيث يلتقي الجميع في النهاية في بحيرة الإيمان! ولو أخذنا مثلاً بقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}: سيعبُّها أهل الخطاب بسرعة، كما يقول الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، أفلا يدل كل هذا الكون على اللطيف الخبير؟ أما أهل البرهان فسيقفون طويلاً يتأملون، ويسألون الجمل: لماذا لا ترى اعوجاج رقبتك؟ ليقول لهم ببديهته الهجَيْنِيَّة: يا سلام.. هوَّ أنتم شايفين فيَّ حاجة عِدلة غير رقبتي؟ وربما فكر أحدهم في إقامة مختبر حديث؛ ليثبت أن ركوب الجمل لا يؤثر على مبايض البدويات؛ كما تؤثر قيادة المرأة للسيارة على مبايض الحضريات! أما أهل الجدل فما إن يسألوا: أيهما الأصل: الناقة أم الحوار؟ حتى يكتسح أهل الخطاب المشهد، وهم الكثرة الكاسحة إلى اليوم؛ لينكروا (باسم الحوار وحرية الرأي) كل ما يخالف ما وجدوا عليه آباءهم! فهذا واعظ ينكر دوران الأرض، لأن (ولأن فقط) بعض الفقهاء لم يفتوا بذلك! والأبحاث والصور؟ مفبركة.. كيف ينركز علم أمريكا على سطح القمر دون أن يرفرف؟ وأحداث (11/9)؟ مفبركة قطعاً.. وتفجيرات القاعدة في مصر؟ مفبركة.. وفي العراق؟ مفبركة.. وفي الرياض؟ مفبركة.. ومذابح داعش؟ مفبركة.. ومذبحة شارلي إيبدو؟ مفبركة.. و..و.. لديهم دائماً ما يجعل كل الحقائق فباريك يا قلب العنا فباريك! وما جدوى مناقشة أهل الخطاب بالعقل، الذي لا يؤمنون به؟ ولكن جرِّب أن تقول لهم: إنكم بإنكاركم كروية الأرض ودورانها تتشبَّهون برجال الكنيسة، في القرون الوسطى! فهل يجوز التشبه بالكفار يا خزياه؟ نقلا عن مكة