عاصرنا الأهلي، على مر عقود مضت بشعور يختلف عن غيره من الأندية، على أنه غيرها، وعلى أنه لا يمكن لأحد منها أن يكون مثله، وهو شعور حينها ليس له علاقة بالحب أو الكره أو شيء من هذا، لكنه طغيان الصورة الحقيقية على المشهد، الذي يجبر على الاستسلام لهذا الشعور، والذي في أقله الإعجاب، حد الرهبة التي تتسلل من هيبة حضوره. هيبة الحضور التي كانت تعبد الطريق للنادي الأهلي للهيمنة على الكؤوس والبطولات، هي ناتج عطاء عمالقة اللاعبين الذين يتناوبون على تمثيله من موسم إلى آخر، وعتاولة المدربين، ونخبة الإداريين المستنيرين، وصفوة أعضاء الشرف العاشقين، وشبكة جماهير بجغرافية الوطن، هو خليط من هذا كله جعل الأهلي فرس الرهان، وفارس الميدان أجيالا متتالية. الأهلي كان متقدما على غيره في الستينات والسبعينات الميلادية، بما كان عليه في ذلك الوقت، من فكر إداري وفهم أسرار عالم كرة القدم، بفضل ما أتاحه له رجاله ومسيروه من أبنائه وعشاقه من تواصل مع كل المدارس الكروية، من الأهلي القاهري إلى ساو بالو البرازيلي، مرورا بالكرة الإنجليزية، وما في ذلك من اكتساب لمهارات أخرى في الإدارة والتنظيم، الذي انعكس على كل ألعاب وأنشطة النادي، وميزه عن غيره، بل كان في واد والبقية في واد آخر. ما مناسبة ذلك، وهل ظل النادي الأهلي على ذات النهج؟ أما المناسبة فهي الكأس الجديدة التي دخلت خزانته الجمعة الماضية، وأما عن استمراره فأظن نعم، لأن الجبال الشاهقة وإن أثرت فيها عوامل الزمن، تبقى أبدا راسية، وفي مثل الأهلي لا يقبل أن تتعدى محاسبته على فقدان بطولة أو بقائه بعيدا عنها سنوات مهما طالت، إلى التفكير في الانتقاص من قدره، أو نسيان من هذا النادي، وما الدور الذي لعبه وقد نفخ روح الحداثة في جسد الرياضة السعودية كلها، لذلك من الطبيعي أن يعود وفي كل مرة لا بد أن يعود. حصول النادي الأهلي من خلال فريقه الكروي الأول لكرة القدم، على كأس ولي العهد وعلى حساب خصم صعب ومتمرس، هو الهلال له أسباب فنية، لكن السبب الأهم، أنه الأهلي، لذا لا بد أن لا نسمح بعد اليوم أن يتم تغييب الكبار، والاستخفاف بالرموز، والتطاول عليهم، لأن ساحة النقد غيرت أدواتها، أو لأن عالم اليوم بات عدوانيا يحب الهدم والتكسير، لا بد أن يقف الجميع، في وجه التعاطي الإعلامي الأقرب لأسلوب (نقطة الفرح في حفلات الأعراس) وأن لا نقبل على الأندية كالأهلي ومن مثله التي صنعت اسم وقيمة الرياضة، أن يتم التعدي على تاريخها أو رجالها ورموزها لحالات وظروف تتغير وليست ثابتة، وأن لا نقبل عملية غسل دماغ للجماهير، لتقديم وتأخير وتكبير وتصغير، وفق أهواء ومصالح خاصة أو بحسابات متعجلة، وعاطفية أو مدعية فهم ومعرفة. لن يسمح الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز، أن نقدمه على غيره من رجال الأهلي التاريخيين لكنه فيهم محل القلب في الجسد، ومن عرف هذا الرجل، ولو في لقاء عابر، تأكد له ذلك ووثق أنه يؤمن أن الأهلي جماعة في رجل يمثلهم، فيحفظ لهم قدرهم ورجل يعمل لجماعة الأهلي، لا يبخسونه حقه، لكن اليوم لا بد أن يسمح لنا أن نقول، إنه رجل خالد في قلوب الأهلاويين وغيرهم ممن يهمهم نجاح النادي الأهلي المؤسسة الرياضية الرائدة في البلاد، ومن يؤمنون أن ما من سبيل للنجاح المستدام إلا بفهم معنى ما يقدمه مثل خالد بن عبد الله للأهلي، وما يقدمه مثل الأهلي للرياضة السعودية، لا بد من إرجاع قاعدة التقييم الموضوعية العاقلة المتزنة التي جرفتها سيول الفوضى والصخب حتى نحفظ حق الجميع وعلى رأسهم الرمز الرجل الخالد في قلوبنا جميعا خالد.