×
محافظة المنطقة الشرقية

مقتل عامل إغاثة بريطاني في إطلاق نار جنوب السودان

صورة الخبر

يقدّم متحف لوكسمبورغ (أحد أبرز متاحف العاصمة الفرنسية) معرضاً بانورامياً بالغ الأصالة والريادة، ويمثل توثيقاً نادراً لسيرة فنية واقتصادية غير مألوفة، كما يؤرخ فيها لجهود نصف قرن لأبرز مشاهير تجارة اللوحات الانطباعية، وهو بول دوران رويل (1831 - 1922)، وهو عاش مراحل وسياق التحول الانطباعي كبوابة سوء فهم نقدي وذوقي قادت إلى الحداثة والمعاصرة في القرن العشرين (بورتريه بول دوران رويل أعلاه بريشة رنوار). يعانق المعرضُ ثمانين لوحة انطباعية من ميراث مجموعة رويل الخاصة، هي التي تمسّك بعدم بيعها حتى وفاته. تعكس رفاهية ذائقته الانطباعية الرؤيوية، ورهانه المعاند على هذا التيار، معلناً معركة حياة أو موت اقتصادي وفني، وهو يقود من خلال عقود مركبه المخاطر من الرفض المطلق إلى الاعتراف المطلق، وذلك ابتداء منذ ما يقرب من عام 1870 وانتهاء حتى 1922 تاريخ وفاته. مروراً بمحاولته الناجحة لنقل هذه الذائقة عبر لندن ثم نيويورك. يتفق إذاً اليوم مؤرخو الفن مع نقاده وفنانيه ومديري صالات عروضه ومتاحفه ومزاداته وتظاهراته الكبرى وأصحاب المجموعات العالمية، انتهاءً بالذواقة الأفراد حول الاعتراف بشراكة بعض أسماء رواد تجار اللوحات بما يتمتعون به من سلطة ذوقية واقتصادية جعلتهم عملياً شركاء فعليين في صناعة تيارات تاريخ الفن المعاصر ومقدماته (بما قبل الانطباعية والانطباعية وما بعدها من جسور برزخية متوسطة) بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين. يعتبر معرض اليوم الثمرة الأولى لهذا الاعتراف المحايد باسم بحجم دوران رويل الذي كان المحرك المركزي خلال عقود التحول الانطباعي. تتجاوز أهمية المعرض مجموعة اللوحات المعروضة والتي لا تقدر بثمن لتصل إلى تفاصيل التوثيق الذي يلقي الضوء مجهرياً على خفايا هذه المرحلة ودور دوران رويل. من ذلك وصف بيئته العائلية وأبرز ما فيها أن والده كان ذواقاً لروح الحداثة في المناظر الإنكليزية والفرنسية، يعرض مقتنياته منها على جدران المطبعة التي كان يملكها، مثل الإنكليزي كونستابل (معاصر تورنير) وأقطاب «مدرسة الباربيزون» في فرنسا من أمثال كورو وميي من المرفوضين دوماً من لجنة العرض في الصالون الرسمي ناهيك عن بعض لوحات لكوربيه. المثير في الأمر أن هؤلاء يملكون أفضل تهيئة واستشراف روح الحداثة في فناني الجيل التالي من الانطباعية إلى جانب معلمهم الأكبر أوجين دولاكروا الذي كان دوران رويل يشتري منه طوال حياته. اكتشفه في المعرض العالمي عام 1866. واشترى لوحته المعروضة وهكذا حتى آخر لوحة اقتناها منه وهي «موت ساندرابال» عام 1873 (وبعض لوحات قرينه الرومانسي جيريكو). ليس مصادفة أن ألوان دولاكروا الصريحة كانت بمثابة أحد منطلقات الانطباعية. تشترك مع لوحات والده المناظر المذكورة في غياب الصقل وصراحة ضربات الفرشاة باللون الصريح. من الطبيعي بعد ذلك تبرير أسباب احتكار دوران رويل لأقطاب كوكبة الانطباعيين بطريقة شبه حصرية، خاصة مونيه ورنوار. يحضر في هذه المناسبة منافسه التاجر الانطباعي النظير وهو «أمبرواز فول» الذي اختص بتسويق لوحات فان غوغ وسيزان وبيسارو وسيسلي وديفا ومانيه وزميلته مرويزوت. مع الانتباه إلى التداخل النسبي بين لوحات الاثنين. فتولوز لوتريك مثلاً كان يتعامل مع الاثنين وهكذا. تكشف وثائق المعرض الخاصة بصكوك البيع والشراء تضارب الأسعار عبر عقود هذه المرحلة. وحتى لا أربك القارئ بحشد هذه التفاصيل، أقتصر على مثال لوحة إدوار مانيه المعروضة والتي تعالج احتفالاً موسيقياً جماهيرياً في حي «الأنفالد»، فقد اقتناها دوران عام 1872 بألفي فرنك، ثم باعها بثلاثة أضعاف وهكذا. وهكذا رصد المعرض صكوكاً للبيع والشراء ما بين 1870 و 1900 بالغة التفاوت في الأسعار، وصلت ذروتها من الأرباح مع إقامته معرضاً ضخماً عام 1905 في غاليري غرافتون في لندن، احتشدت على جدرانه 315 لوحة انطباعية لـ 200 فنان، ثم انتقل المثال إلى الصالات الكبرى في نيويورك. مما يفسر هجرة أغلب الميراث الانطباعي الفرنسي إلى السوق الأميركية، وزيادة شعبية هذا الاتجاه حتى تأسس متحفها الراهن في جفرني قرب باريس حيث محترف مونيه. وما أن تدرب أبناء دوران حتى استمروا في ازدهار صالاته في باريس حتى عام 1974 واستمرار نشاطهم في نيويورك حتى عام 1950. علينا في الخاتمة أن نستدرك حجم الخفة والتحقير اللذين أخذت بهما هذه المدرسة واستبعادها عن الصالون الرسمي منذ 1870 وتحالف النقاد وبعض الكتاب بمستوى إميل زولا ضدها (بموقفه الروائي من لوحات سيزان). يعانق المعرض نصاً نقدياً لاذعاً في تلك الفترة في معرض ذم الانطباعية يقول أحدهم «لوحاتهم مريعة، لا تملك أي قيمة، منجزة من قبل معتوهين...». وبالعكس فقد تحولت العلاقة الاقتصادية بين دوران وهؤلاء الفنانين إلى علاقة إنسانية حميمة، أصبح يساعدهم في استئجار المحترفات ويشتري موادهم الفنية مقدماً. وصلت هذه العلاقة إلى دعمهم المادي في فترات الارتباك المعيشي، هو ما يفسر اعتراف مونيه الصريح، يقول: «لولا دوران لقضينا من الجوع»، يذكر أنه خلال عام 1872 اشترى كل ما يحويه محترف إدوارد مانيه بسبب ضائقة مالية ألمت به. لعل معرض اليوم يمثل درجة من الاعتراف بالجميل التزاماً بتصريح رنوار بأن «دوران أكبر مبشر بالتصوير» لذا صوّره في لوحات مرات.