×
محافظة المنطقة الشرقية

«حزب الله» يتمسك بالحوار وبالقتال في سورية

صورة الخبر

داخل فصل أنيق في إحدى مدارس غزة، يُشهر المدرس «أحمد» عصاه الغليظة أمام طلابه في المرحلة الإعدادية، تحذيراً وعقابًا لهم على مشاكساتهم أو تقصيرهم الدراسي أو حتى لردعهم عن إحداث أي إزعاج خلال سير الحصة الدراسية. يُخالف «أحمد» -اسم مستعار- قرار وزارة التربية والتعليم لعام 2010 القاضي بمنع الضرب قطعًا ضمن لوائح الانضباط المدرسي، في ظل صمت من الوزارة وعدم اكتراث من المجلس التشريعي، في الوقت الذي تستمر فيه هذه المأساة العقابية التي تتفاقم يوماً بعد يوم وتتحول إلى تعذيب واضح وصريح. ولا يُلقي هذا المدرس وزملاءه الذين يستخدمون أسلوب الضرب، بالاً لتأثير هذا الأسلوب على الأوضاع النفسية والجسدية للطلاب وارتباطه بالتحصيل العلمي لهم، من خلال الترهيب المستمر. ويلجأ معلمون في المدارس الحكومية إلى استعمال الضرب بواسطة العصا أو اليد كوسيلة لتعليم التلميذ أو تأديبه، من خلال ردع الطلاب عن المشاكسات داخل الفصل أو التهرب من الواجبات الدراسية والتغيب عن المدرسة. في 4 مدارس حكومية من أصل 430، رصدنا معاملة المدرس التلاميذ داخل الفصل بمعاونة بعض التلاميذ، وتبين أن عدداً من المدرسين يعتبرون الضرب الأسلوب التربوي الأول لردع الطلاب عما يعتبر مخالفاً للتعليمات المدرسية. تقول الوزارة إن استخدام العنف الجسدي ضد التلاميذ يخالف مراسلاتها الموجهة إلى المدارس، لكنها رفضت تزويدنا بنسخ عن بعض تلك المراسلات التي لا يلتزم المدرسون بتطبيقها، فيما حصلنا من موقع الوزارة الالكتروني على نماذج للانضباط المدرسي، تشير إلى طرق أخرى لا بد للمدرسة من التعامل بها مع الطلاب بديلاً عن الضرب. قرار مُطبق! ويقول المدير العام للإرشاد والتربية الخاصة في الوزارة أحمد الحواجري: «أستطيع أن أجزم أن قرار منع الضرب مطبق، بدليل أننا نتابع هذا العمل بشكل حثيث في الميدان، فلا مجال لاستخدام العقاب مع الطلاب وهناك تعليمات واضحة وصريحة ومحددة في هذا الإطار». ورغم وجود قرار بمنع الضرب، فإن الحواجري المكلف بمتابعة القضايا التربوية في الوزارة، لا يتذكر رقم القرار وتاريخ إصداره، وهو ما ظهر أثناء سؤالنا له عن ذلك، قائلاً «لا أتذكر رقم القرار وتاريخ إصداره، ولكنه يمنع الضرب منعاً صريحاً». ويوضح أنّه «من المفروض أن يستعيض المدرسون عن الضرب بقوانين الانضباط المدرسي التي تشمل أساليب تأديبية كثيرة ليس منها الضرب والعنف، والتي تشمل إجراءات انضباطية خاصة بالطلاب والموظفين، بمعنى أن هناك جزاءات محددة تحول دون أن يستخدم المعلم غير الأسلوب الإرشادي والتأديبي». وتطرح ظاهرة كهذه تساؤلات عديدة عن دور المجلس التشريعي في الرقابة على أداء الوزارة ومعاملة المدرسين مع الطلاب وإغفال تطبيق القرار بصورة كاملة. وفي هذا السياق، يؤكد عضو لجنة التربية والقضايا الاجتماعية في المجلس التشريعي محمد شهاب أنّه «لم تصل شكاوى من قبل للتشريعي بهذا الخصوص، لأن الوزارة ومديريات التعليم تقوم بما هو مطلوب منها كلجان تحقيق على مستوى عال وتسوية الأمر ليأخذ كل ذي حق حقه»، مبينًا أنّه «قلما تصل بعض القضايا للنيابة والمحاكم والتحكيم العشائري». في حين أنّ مشاهد الضرب التي رصدناها، تتضارب مع حديث «التشريعي» والوزارة عن عدم وجود ضرب مبرح، وتشير إلى قصور واضح في الرقابة على المدرسين. ويبين شهاب وجود قرارات تُشير إلى منع أي وسائل عقابية فيها عنف وضرب، إضافة إلى وجود قرارات متتالية من وزارات التعليم التي سبقت حكومة غزة، تشمل توجيهات متواترة لمديريات التعليم والمعلمين والمديرين في شكل مستمر بعدم استخدام الضرب. ويصف حالات الضرب في الفترة الحالية بأنها «قليلة ومستوعبة»، مبينًا أنّ «الضرب لم يعد ظاهرة مؤرقة بسبب التوجيهات المستمرة والجولات ووجود المرشدين المختصين داخل المدارس»، وهو ما يُخالف ما قمنا بتصويره وتوثيقه خلال فترة إعداد التحقيق. من الناحية النفسية، يرى رئيس قسم علم النفس في جامعة الأزهر بغزة أسامة حمدونة أنّ «الضرب أحد الأسباب المؤدية للتأخر الدراسي، لأن الضرب داخل المدرسة يجعلها مكاناً عقابياً بالدرجة الأولى، فيشعر الطالب بالخوف والتوتر المرتفع ويؤثر ذلك على مدى استيعابه داخل المدرسة وربما يدفع ذلك إلى تسربه منها لإحساسه بالخوف». ويتابع : «كل الأطر التربوية والنفسية تؤيد وجود رادع، لكن ليس بالضرورة أن يكون رادعاً بدنياً، فهناك طرق صحية للتعامل مع الطالب إذا أخطأ كالتعزير، ومعاقبة الطالب من دون ضربه من خلال حرمانه من شيء ضمن إطار المدرسة بهدف ضبط سلوكه». وتبين من خلال عدة مقابلات أجريناها مع عدد من الطلاب الذين تعرضوا للضرب أنّ تأثير ذلك الأسلوب يلحق بالطلاب إلى منازلهم فيعكس آثاراً سلبية على حياتهم، فيما يرجع أهالي هؤلاء ضعف التحصيل العلمي لأبنائهم إلى استخدام أسلوب الضرب. ورغم وجود ما يُقارب ألف مرشد تربوي في المدارس الحكومية بغزة (وفق معلومات وزارة التعليم)، إلا أنّ ظاهرة الضرب ما تزال مستمرة، وهو ما يؤكده بعض الأهالي الذين تحدثنا إليهم، مشيرين إلى إهانة أبنائهم وتعرضهم للضرب في شكل مستمر لأسباب غير معقولة، وفق قولهم. في ظل ذلك، رفض أكثر من 20 مدرساً الإدلاء بآرائهم حول هذه القضية، مبررين ذلك بحساسية الموضوع والخشية على وظائفهم. فيما يقول فؤاد عطية- مفتش تربوي في الوزارة- إنّه «يجب استخدام قضية الثواب والعقاب والتعامل بالدرجات الدراسية مع الطلاب كبديل عن الضرب لإشعار الطالب بخطورة تقصيره في دراسته، بحيث يوجه المدرس الطالب بأنه سيكون هناك عقاب تربوي من حيث الدرجات وعدم مشاركته بالفصل»، مشدّداً على أنّ العقاب البدني أمر غير مرغوب تربوياً على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، فإنّ العقاب البدني يستغرق وقتاً طويلاً من الحصة الدراسية، كما حدث مع أحد المدرسين الذين صورناهم في شكل سري، حيث ضرب 3 تلاميذ عشر عصي لكل منهم لمدة تُقارب 10 دقائق. ووفقاً لتقرير أصدرته وزارة التعليم لعام 2012، فإنّ عدد المدارس في قطاع غزة بلغ 664 مدرسة منها مدارس تُشرف عليها الحكومة وأخرى تُشرف عليها وكالة الغوث الدولية، فيما بلغ عدد طلاب المدارس الحكومية 250 ألفاً. حاولنا من خلال التحقيق أن نحاور بعضًا من أولئك الطلاب والمدرسين، إلا أن مماطلة وزارة التعليم في منحنا الموافقة على إجراء لقاءات مع الطلاب والمدرسين داخل المدرسة، منعتنا من ذلك. رغم ذلك تمكنّا من الحديث سراً مع عدد من الطالبات داخل المدرسة واللاتي روين مشاهد الضرب التي قلن إنها تطاول الطالبات. تقول إحدى الطالبات: «كل يوم نتعرض للضرب، وهناك بعض الطالبات تتورم أياديهن من شدة الضرب الذي يكون لأسباب تافهة في الأغلب»، وفق وصفها. ويعد هذا الفعل انتــهاكاً واضــحاً لاتفاقية حقوق الطفل التي تنص على احترام حقوق الطفل كلها ومنع الأذى النفسي والجسدي عنه. الجانب القانوني ومن الناحية القانونية، يفترض أن تتابع الجهة التي أصدرت قرار منع الضرب، تنفيذ القرار وتضمن تطبيقه، وهو الأمر غير المطبق من المجلس التشريعي ووزارة التعليم. ويُحمّل منسق الوحدة القانونية في مركز الميزان لحقوق الإنسان عدنان الحجار مسؤولية عدم تطبيق القرار للجهة التي أصدرت القرار بالأساس وهي وزارة التعليم، مبينًا أنّها يجب أن تتابع القرار وتضمن تنفيذه. وفي حال مخالفة أي وزير القوانين المفروضة، فإن المجلس التشريعي يعمل على محاسبته وفقاً لخطوات ثلاث منها، رفع تقرير خاص بالشكاوى أو المخالفات ثم استجوابه من أعضاء التشريعي في حين تكون المرحلة النهائية طلب حجب الثقة عنه إذا لم يأخذ بالتوصيات المطلوبة، وفقاً لشهاب. كما من المفترض أن يخضع كل معلم مخالف لعدة إجراءات وعقوبات تقتضي تحويله لمجلس الضبط في المديرية. خلال إعداد التحقيق، قدمنا 3 طلبات لمقابلة وزير التعـــليم في غزة (الوزير أسامة المزيني) وذلك قــبل أن تتـشكل حكومة التوافق الوطني، للتعقيب على هذه القضية، لكن الطلبات جوبهت بالرفض في كل مرة. عدنا إلى الوزارة وواجهنا المسؤولين بما كشفناه من وقائع تثبت وجود ضرب مبرح، فكان الرد من الدكتور أحمد الحواجري المختص بالقضية أنّنا «قمنا بإعطائكم جواباً لذلك الأمر، ولا مجال لإعادة الحديث فيه». وتبقى هذه القضية محط تساؤل وتدق ناقوس الخطر حول مستقبل الطلاب التعليمي والنفسي والاجتماعي في ظل حالة اللامبالاة لدى المدرسين في شأن القرارات الصادرة عن الوزارة وتقصير الأخيرة في متابعة تلك القرارات وغياب رقابة المجلس التشريعي عن هذه القضية.