قبل أيام عدة فجع صديق وزميل عمل من مصر الحبيبة بوفاة والد زوجته وهو أيضاً قريبه من الدرجة الأولى، حال من الحزن والذهول، وارتباك ما بين مواساة أهله هاتفياً، والبدء في إجراءات سفر، وما يدمع العين هو ذلك الحضن أو الاحتضان الذي يفقده أعزاؤه في هذه اللحظات، يتركز إحساس الغربة في نظرة واجمة، وحضن مفقود. حمدت الله أننا حيث نعمل وصديقي أعلاه يوجد حس إنساني جميل، إذ تنادت الإدارات لمساعدته، وتسريع وتسهيل أموره. تذكرت صديقاً في مؤسسة صغيرة لديه محاسب رزق بمولودته الأولى بعد قدومه بأشهر قليلة، أقام لها حفلة ودعاني ضمن الحضور، وقمنا جميعاً باحتضانه وتهنئته، وكانت لفتة جميلة تشي بمعدن أصيل لصاحب المبادرة. الشرفاء المكافحون بين ظهرانينا من أية جنسية أو ملة ممن يعملون بشكل نظامي، ويحترمون القوانين، هم غرباء تفوتهم أحضان الفرح والألم، يكفي أن نتفكر في هذه الجزئية لنكون منصفين معهم، إنسانيين وحضاريين، مستحضرين قول الشاعر: «لا تنهرن غريباً حال غربته.. الدهر ينهره بالذل والمحن». في نظام العمل السعودي ما يعطي المتعاقدين الحق في إجازات عند المناسبات المهمة، السعيد منها، والمحزن، وبعض الشركات الكبرى تزيد عليه بما يجعله أكثر إنسانية وتفهماً، لكن تبقى المشكلة في الشركات التي لا تطبق، وكثير من المنشآت الصغيرة، والأهم الأفراد الذين يبخس بعضهم حق أخيه الإنسان في الحزن، أو الفرح. وأقول إن الأفراد أهم، لأن معظم من هم تحت كفالتهم من الفئة الأضعف مهنياً ومادياً، وبعضهم لا يعرف حقوقه كما يعرفها موظف متعلم في شركة أو مؤسسة. لقد أعطينا حق التحكم العملي والمهني في ملايين البشر، لكن هذا لا يعطي الحق في تحديد مصير أحزان إنسان، أو أفراحه، وعلاقته بأهله. ليتخيل واحدنا أنه في مدينة بعيدة عن أهله لطلب الرزق أو العلم أو أية مصلحة دنيوية، كيف يشعر في كل مرة يجتمع أهله على فرح، أو جماعته في ملمة من ملمات الزمن، ويصدف ألا يستطيع المشاركة، إنه شعور عميق بالحنين، وصراع داخلي بين واجب الإنسان ومتطلبات حياته، وبين عواطفه ومشاعره. يقول المولى عز وجل: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا)، إذاً يجب أن نؤمن جميعاً بالتفاوت في المواهب، والأعمال، والقدرات، والأرزاق، لكننا قبل ذلك ومن بعده يجب أن نستعيد أو نوقظ إيماننا بتساوينا الإنساني كبشر، ومن هنا نستنبل أنفسنا ومن نستطيع التحدث إليه والتأثير فيه، أو حتى أمره ونهيه أن يكون رفيقاً رقيقاً بأي إنسان وضع تحت مسؤوليته شرعاً أو نظاماً. إن هؤلاء الرجال والنساء الذين في بيوتنا ودكاكيننا ومزارعنا واستراحاتنا باتوا جزءاً من نسيج حياتنا، شئنا أم أبينا، وبعيداً عن مسببات ذلك، ونتائجه التي نعيشها وندفع فواتيرها الاجتماعية والاقتصادية، فنحن بتنا جزءاً من حياتهم، نحقق لهم أهدافهم الاقتصادية، ويجب أن نسعى جاهدين لنحقق معهم أي هدف إنساني نبيل، فالأيام تدور، والشاعر الآخر يقول: «هذه الدار لا تبقي على أحد// ولا يدوم على حال لها شان».