ظلت المملكة -على مدى تاريخها- تقف إلى جانب اليمن كعمق إستراتيجي، وكجزء من الأمن القومي، وأولتْ اليمن عناية خاصة، انطلاقا من حرصها على سيادته وعافيته أمنا واقتصادا وتنمية، تأسيسا على تلك الاعتبارات الجيوسياسية، وكذلك امتدادا لمسؤولياتها القومية والإسلامية تجاه كافة الشعوب والبلدان العربية والإسلامية، ولعبتْ إلى جانب تذليل قضاياه دورا بارزا في دعمه تنمويا، من خلال العديد من المشاريع الحيوية التي ساهمت بها للشعب اليمني، في إطار تكريس وحدته واستقراره ورخائه، وليس أدل على ذلك الاهتمام من تبني ورعاية الاتفاقية الخليجية، التي رسمتْ خارطة الطريق لهذا القطر الشقيق؛ لإخراجه من محنته بعد قيام الثورة ضد نظام علي عبدالله صالح، وعملها الدؤوب على تنفيذ كافة بنود تلك الاتفاقية إلى جانب أشقائها في مجلس التعاون الخليجي؛ تفاديا للانتقال للفراغ أو تغول طرف على آخر. وهي التي وجهتْ كل عنايتها للشعب اليمني بكامل أطيافه وفئاته، دون الانحياز لجهة على حساب جهة أخرى، متوخية عدم استفراد أي قوة من قوى الأمر الواقع على المشهد اليمني، مما سيؤدي بالنتيجة إلى انفجار الوضع، وإدخال اليمن في نفق الحرب الأهلية -لا سمح الله-، وهو البلد الذي يحتكم على ملايين القطع من السلاح في أيدي مواطنيه، غير أن الأيادي العابثة التي دفعت بالحوثيين للاستقواء على بقية الأطراف بعد إنجاز اتفاقية السلم والشراكة، والالتفاف على تلك الاتفاقية باقتحام العاصمة وعدد من المحافظات اليمنية، وما تلا ذلك من عزل الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وحكومته الشرعية برئاسة خالد بحاح، ثم اختراع إعلان دستوري يمنح هذه الفئة دون سواها حق التحكم في مصير اليمن، وارتهانه لقوى إقليمية، يعرف اليمنيون قبل غيرهم أنها لا تريد لهم خيرا، وأنها تضمر ما لا تعلن من الأهداف، التي ليس أقلها الإمساك بالقرار اليمني، ومن ثم المساومة عليه في ملفات لا علاقة لا لليمن ولا للأمة العربية بها. كل هذا دفع المملكة وانطلاقا من مسؤولياتها العربية لرفض هذا الانقلاب الحوثي، الذي أدركت أنه سيكون «القشة التي قصمتْ ظهر البعير»، فإذا كان اليمن قد عبر -ومنذ الإطاحة بنظام صالح منذ ما يزيد على العامين- الكثير من المنزلقات الخطيرة، في سياق بناء نظام سياسي، يستوعب كافة القوى والأطراف الفاعلة على الساحة اليمنية، فإنه حتما لا يُمكن أن يستوعب استفراد فئة لا تتجاوز الـ 15% من جملة سكانه في قراره السيادي، مما ينذر باشتعال الخلاف وتمدده بما يدفعها للفشل -لا قدر الله-. وهو ما بدت ملامحه تظهر على السطح، من خلال تنامي الاحتجاجات الشعبية ضد الحوثيين ومشروعهم، الذي يجد الترحيب من إيران، التي لا يهمها إلى أين يسير اليمنيون ببلادهم، قدر ما يهمها أن تستخدم نفوذها على الحوثيين؛ لتوظيفه كورقة ضغط لتمرير ملفها النووي مع دول الخمسة زائد واحد. من هنا توالت النداءات من المملكة ومن كافة القيادات الخليجية للفرقاء اليمنيين؛ لإعادة الشرعية أولا كمظلة مقبولة عربيا ودوليا، ثم الجلوس إلى طاولة الحوار؛ للوصول إما لتنفيذ اتفاقية السلم والشراكة التي وقعها الجميع تحت مظلة الأمم المتحدة ممثلة بجمال بن عمر، أو البحث في أي صيغة تكفل للجميع المساهمة في صياغة النظام القادم عبر شرعية التوافق بين كافة الأطراف، شريطة أن يُعيد الحوثيون الأمور إلى نصابها أولا، ويعيدوا العمل في مؤسسات الدولة وهياكلها وفق ما كانت عليه قبل الانقلاب؛ تحاشيا لفرض الإرادة وفق منطق قوة الأمر الواقع، وهو الذي لا يُمكن أن يُعمّر في بلد كاليمن يرقد على كم هائل من مخازن الأسلحة في متناول أيدي مواطنيه. لذلك فإن كل ما تأمله المملكة هو أن يتخلص الحوثيون من الشعور بغرور القوة، وأوهام القدرة على إخضاع هذا الشعب لإرادتهم، وعلى حساب الآخرين، وأن يصغوا جيدا إلى صوت الحكمة، ويدركوا أن أي فريق مهما كان فلن يتمكن من أن يحكم بلدا سبق وأن ثبت بالتجربة أنه لا يُمكن أن يُحكم إلا بالتوافق.