قد يكون تويتر وقنوات التواصل السريعة التي تعتمد على الرسائل القصيرة مساعدة لتسويق منتج استهلاكي أو ما شابه، أو فكرة ما، ولكني لا أظنها وسيلة ناجعة لطرح القضايا الإشكالية والمسائل الخلافية والإصلاحية سواء كانت سياسية أم دينية تمس العقائد ومذاهبها أو حتى أحيانا ما يخص القضايا الأدبية والثقافية خصوصا ان أخذت هذه الرسائل منحىً انفعاليا ناقما على المجتمع، صادما للمزاج العام فيه، وقبل ذلك غير مواكبة لدرجة وعيه ومدى محافظته وتقليديته، المشكلة في ظني لمطلقي هذه الرسائل عبر التويتر، أن البعض منهم يراهن على هذه القنوات الحديثة وبالخصوص في سرعة وصول الفكرة، ويظنها وسيلة ناجعة لتغيير أو لتحريك الراكد في المجتمع ثم تكون نقطة الانطلاق، والبعض مل من الوسائل التقليدية من كتب ومحاضرات لا تصل لشريحة كبرى في المجتمع ويراها وسيلة بطيئة ان لم تكن غير عملية في عصر بات التغير السريع سمته، وهناك من يذهب أكثر من هذا و تأخذه حماسة هذه التغريدات التي ظاهرها كلمات رنانة و موزونة وتجده يقول لك بكل ثقة هذه التغريدات هي النافذة التي منها تنطلق شعلة التنوير وبثقته التي لا تفارقه تجده يقول: لا تحتقرن صغير الشرر فالوسائل على حد زعمه تغيرت وأصبحت أكثر سرعة وتطورا وتتعاطى مع المتلقي دون وصاية من أحد فشبابنا اليوم مسلح بالعلم الحديث والتقنية المتقدمة وهو أكثر وعيا وثقافة وتقدما من الجيل الذي سبقه!، فالوسيلة اليوم لتغيير هذه التغريدات بحكم سرعة عجلة الزمن. لا أريد أن أقول هي عزة بالإثم، ولكن مع حسن الظن في هذا المثقف هو قول دون تشخيص علمي وفاقد للقيمة العلمية، وسوف يتضح في السطور القادمة لماذا هذه التغريدات دون قيمة علمية، وأنها مجرد تنفيس لا أقل ولا أكثر قد تضعنا في بلبلة وسجال عقيم لا جدوى منه الا أن تصنع نجوما من ورق في المجتمع، لهذا تجد البعض ولا أقول الجميع، لأنه محبط ولديه ربما أزمة ما مع مجتمعة، يستحلي هذه التغريدات لأنها تجعل منه حديث المجتمع، وقد تجد بعض المحيطين به من حوارييه يصورن له بأنه مشروع تغيير وتنوير ومن هنا تتضخم الذات لديه ويصدق- لا أقول الكذبة- بل الوهم بأنه أحد قادة الفكر والتنوير، خصوصا وبأن الجميع حتى من غير المؤيد لطريقة تعاطيه مع مشكلة تخلف المجتمع، مع اتفاقهم معه بوجود المشكلة قد يلتمسون له عذرا، وهنا في رأيي تكمن البلبلة والسجال العقيم بين مندفع وموهم مع صاحبنا الذي جل عمله التغريدات والقول الإنشائي المكرر الذي لا جديد فيه ربما إلا وسيلة التعاطي الحديثة والتلاعب بالألفاظ، وبين مجموعة أخرى ترى فيه أشبه بالمراهق الذي يشغل المجتمع ويفرق الجماعات، ومع هذا تجد السجال العقيم مستمرا، وهنا قد يتساءل القارئ لماذا الإصرار مني على تسميته بالسجال العقيم، ولهذا قد يخرج القارئ صارخا في وجهي لماذا لا تعطي هذا النقاش الفكري؟! فرصته الكافية ومن ثم احكم عليه بعد ذلك ان كان عقيما أم مولدا لشعلة التنوير والتغيير. لماذا هو عقيم؟ لأنه بلا فلسفة ونظرية تشخص حال المجتمع أو تقارب التشخيص الحقيقي له فهم يحملون مصطلح الحداثة دون فلسفة للحداثة وبنفس الدرجة يحملون مصطلح التنوير دون فلسفة لمصطلح التنوير فكيف لهؤلاء بربكم أن يقودوا تغييرا فهم- أي المغردون الجدد- جل ما يملكونه هو ترديد نفس التساؤل القديم بل نفس التهم الموجهة للتقليديين بأنهم سبب التخلف والرجعية، وبتشخيص حالهم (أي المغردون الجدد) ربما وجدتهم يعيشون نفس الرجعية والتخلف بل أعظم أحيانا من تخلف ورجعية خصومهم لأنهم بلا فلسفة أو نظرية يؤسسون عليها حركة التغيير إلا ربما استحضار التجربة الغربية، ناسين أو متناسين أن الحركة الحضارية قائمة على تشخيص الحالة ومن ثم وضع الحلول والنظرية القائمة على معطيات التشخيص، أما التقليد الأعمى للغرب واستحضار تجربته فهذا لا يصنع حضارة وتقدما، وهذا ليس بكلامي أنا الذي ربما كنت في نظرهم رجعيا ومتخلفا وإنما كلام مفكري الغرب الذي يأخذون منه نظريته، فالفكر الغربي حركة التنوير لديه قائمة أساسا على تشخيص الحالة واستخلاص التنوير من هوية المجتمع وثقافته وسبق أن ذكرت ذلك في احدى مقالاتي واستشهدت بقول أحد المستشرقين الألمان هو مانويل برنارد فشر كل مجتمع يتطور من خلال تقاليده وقيمه الجوهرية الخاصة به، التطور ليس قفزا في الفراغ، وليس محاكاة غبية للآخرين وان قالوا نحن مستقلون عن النظرية الغربية، نقول لهم هاتوا برهانكم. إعلامي متخصص في الشأن الثقافي