يشهد سوق الكتاب إقبالا واسعا في جنوب العراق، خصوصا على الكتب التي كانت تصنف قبل 2003 ضمن خانة الممنوعات دينيا وسياسيا، بينما يرى مراقبون ومثقفون أن الكتاب قد شهد تدفقا ملحوظا في السنوات الأخيرة. كما أن الطائفية واستعار الحروب المذهبية والشحن الذي يعيشه العراقيون يدفع بالكثير من الشباب إلى البحث عن كتب النقد الديني، أو حتى الكتب التي تروج لأفكار الإلحاد وغيرها. ولعل تجربة يوسف ياسين (20 عاما) في البحث عن هذا النوع من المؤلفات، لم تكن ليكتب لها النجاح لولا بعض الظروف التي أتاحت له ذلك. يوسف ياسين: المنع فيه تسويق للكتاب(الجزيرة) وعن سبب توجهه لقراءة هذه المؤلفات أو الإقبال عليها، يقول يوسف ياسين للجزيرة نت "باعتقادي أن المنع بحد ذاته يُسوق الكثير من الكتب التي تتحدث عن الديانات. هذا من جانب، ومن جانب أخر ما أسميه التفكير بالنيابة، وأيضا الاستلاب الذي عانى منه الشباب في فترة نظام الحكم السابق والحالي من السلطتين السياسية والدينية، مما ساهمفي دفع الكثيرينللبحث عن مثل هذه العناوين والكتب". ويستدرك ياسين قائلا إن ما دفعه نحو تلك المؤلفات لم يكن البحث عن الحقيقة وإنما الرغبة في الانتقال إلى ضفة الآخر والتي هي باعتقاد الشباب "الطريق الأمثل للوصول إلى حال أفضل نسبيا مما يعيشه حاليا في ظل دولة دينية". وعن الكتب التي استطاع قراءتها، يقول إن أهم الكتب التي اطلع عليها هي تلك التي تتناول الجانب السياسي والديني، وما كان ممنوعا في النظام السابق، مشيرا إلى أنه قرأ عددا من الكتب والمحاضرات لعلي شريعتي، وعبد الكريم سروش. كما قرأ كتاب "عراق بلا قيادة" لعادل رؤوف، وما صدر بعد ذلك لهُ، فضلا عن عددمن الروايات وأهمها آيات شيطانية لسلمان رشدي ورواية وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، ومجموعة كتب للمفكر العراقي عبد الرزاق الجبران وأهما "لصوص الله" و "الحل الوجودي للدين" و"انقلاب المعبد". البراك: حرية التعبير ساهمت في انتشار الكتاب (الجزيرة) ردة فعل ويعزو رئيس اتحاد أدباء ذي قار، ياسر البراك، في حديث للجزيرة نت سبب إقبال فئة الشباب على بعض الكتب التي تخترق منظومة المقدس الديني، إلى أنها تأتي ردة فعل على ما تعيشه البلاد بعد 2003، بعد سيطرة القوى الدينية على السلطة في البلاد، على حد قوله. وعن ذلك يقول إن هذه السيطرة عكست انطباعات سلبية لدى الجمهور العام، خصوصا فئة الشباب، حيث "انهار النموذج الإسلامي في الممارسة السياسية، وكشف انهياره عن عورة كبيرة بين النظرية وتطبيقها". ويضيف "كما أسهم الفضاء الواسع من حرية التعبير المتاحة في البلاد بتدفق عناوين كثيرة كانت قبل 2003 جريمة يحاسب عليها القانون". وعن أهم الكتب التي تشهد رواجا بين الشباب، يقول البراك إنها على سبيل المثال مؤلفات المفكر الهندي أوشو وهو فيلسوف يدعو إلى رفض فكرة الإله، ثم هناك إقبال كبير على مؤلفات هوبكنز، وبعض الإسلاميين ممن يصنفون بالتنويريين كعبد الكريم سروش، وعلي شريعتي، وعبد الرزاق الجبران، وغيرهم من الأسماء التي تحاول قراءة الخطاب الإسلامي "حداثيا". عدي بجاي: قرّاء الكتب ثلاثة(الجزيرة) ثلاث فئات ويتفق الأكاديمي عدي بجاي، الذي يدير مكتبة متخصصة بالكتب الحديثة وسط الناصرية مركز محافظة ذي قار، مع الرأي السابق، لكنه يقسم متلقي هذه الكتب إلى ثلاث فئات رئيسية. الأولى هي الفئة الانفعالية التي اتخذت موقفا إزاء وصول تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة، وفشل أنموذجها، والثانية فئة تبحث عن الجذور الحقيقية للعلم والفكر الديني، وفئة ثالثة تمتلك رؤية تجديدية للفكر الديني نحو قيادة المؤسسات الحديثة ومنها الدولة. ويرى أن كتابات المفكرين الإسلاميين النهضويين التي كانت تمتلك وهجاً في زمن ما، بدأت بالتراجع لصالح خطاب من يوصفون بالمثقفين التنويريين كمحمد أركون، ونصر حامد أبو زيد، وعبد الجبار الرفاعي، وعبد الرزاق الجبران، وجورج طرابيشي. بينما يرى ليث السراي الباحث في الشأن الاجتماعي، أن المنهجية في طرح الأفكار التي تحملها هذه الكتب جعلت منها مقبولة ومنتشرة إلى حد كبير في الأوساط الثقافية، خصوصا بعد ما شهدته البلاد من أعمال عنف يرتكز أغلبها على فهم معين لنصوص تصنف على أنها مقدسة.