تنقسم الأحلام التي يراها النائم في منامه - وفقاً لرأي الفقهاء - إلى ثلاثة أنواع: روحاني، ونفساني، وشيطاني، وفي الحديث الذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّ الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله، ورؤيا تحزن من الشيطان، ورؤيا مما يحدّث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام، وفي إطار علم النفس الحلم إما تعبير عن رغبة مكبوتة لا يستطيع الفرد تحقيقها في الواقع، أو تعبير عن قلق وصراع نفسي يعيشه الفرد، ويعده بعض الأطباء تفاعلات وتقلصات عصبية نتيجة الإفراط في الأكل والنوم على معدة مثقلة بالطعام، وهذه الأخيرة إلى جانب ما يعد أمنيات أو رغبات أو قلاقل يومية يمكن أن تحدث لأي فرد هي ما تعد أسباباً حقيقية لأضغاث أحلام عابرة، يمكن أن تحدث لأي شخص في منامه، بيد أنّ كثيراً منهم ينشغلون بها ويحملون لها هماً إلى درجة الوسوسة، ثم ينشغلون مرة أخرى بالبحث لها عن مفسرين أو معبرين، حيثما اتفق وممن نستطيع أن نسميهم وفقا للتعبير الشعبي مفسري "خذاريف" أو "خثاريق الليل"، الذين لا يتركون شاردة ولا واردة إلاّ هولوها وأوجدوا لها تفسيراً. وفتح هذا التزاحم مجال تجارة تعبير الرؤى التي تسابقت عليه عدة فضائيات إضافة لدوائر ورسائل الاتصال ومواقع التواصل الربحية، إلى أن تحول مجال تعبير الرؤى إلى مهنة من لا مهنة له، واحتضنت دخلاء ونصابين هدفهم كسب المال، أو الشهرة، أو مقاصد أخرى سيئة، تصل عند البعض منهم إلى ابتزاز النساء مادياً وجنسياً، بحكم أنّ أكثر من ينشغل بتفسير الأحلام هن النساء، مستغلين بذلك بعض الاتصالات المغلفة أحياناً بالسرية بينهم، بعدما سجلت بعض القضايا من هذا النوع. قدرة إقناع وقد عرف هؤلاء المفسرون كيف يقنعون العامة بصدق ما يدّعون، من خلال إيحاءات واتصالات تمثيلية تتم على الهواء مباشرةً، متفق عليها مسبقاً بين المفسر والمتصل، أو من خلال التنبؤات المحبوكة على طريقة مدعي الشعوذة وقراءة الطوالع، الذين يعتمدون على استظهار مشاكل أو حوادث متكررة عند أكثر الأشخاص وفي أكثر البيوت، ومن ثم الضرب على وتر المرض، أو الزواج، أو الطلاق، أو السفر، وأمور أخرى تتكرر عند أكثرنا، وذلك على طريقة قراء الكف والطوالع، الذين عادةً ما يختارون أمورا وأحداثا قد توجد في أغلب البيوت وعند أكثر الأشخاص، فيبدؤون بسؤاله على سبيل المثال وبنبرة المتأكد عما إذا لديه مريض، وهم يعرفون أنّه لا يكاد يوجد شخص إلاّ ولديه مريض يهمه أمره بعيداً أو قريباً، ومتى ما أقر بدؤوا بالبشائر أو التحذير، أو يصفون له خلطة العلاج المتوافرة عند معبر الحلم ب "مبلغ مقدره"، وهكذا لو كانت فتاة مقبلة على الزواج أو مطلقة، فهم سيبشرونها بقدوم فارس الأحلام، أو بالحمل - إن كانت متزوجة -، وإذا كان شابا فلن يبتعدوا عن همومه المعتادة والمتعلقة غالباً بالوظيفة، والزواج، والسفر، وهكذا. تخوين المجتمع وأفرز هذا التسابق معبرين لا يدركون عواقب الأمور، وبالتالي لا يتورعون في إطلاق التهم جزافاً وزرع الفتن بين الأقارب، وهم لا يعلمون أنّهم بفعلتهم يرتكبون جريمة بحق مجتمعهم، فعلى سبيل المثال يحصل في بعض الأحيان أن يقوم المعبر بتفسير حلم امرأة على أنّ إحدى القريبات منها - وينطقها هكذا من دون تسمية - تتربص لها بأذية، إن لم تكن آذتها بالفعل!، ويوصيها بتوخي الحذر والابتعاد عنها، فتبدأ هي بناءً على ذلك التفسير بالتفتيش بين قريباتها، وجاراتها، وزميلاتها، وكل من حولها، عمن يمكن أن ينطبق عليها الاتهام، وذلك بالرجوع إلى أحداث ماضية، أو مواقف معينة قد تكون تافهة جداً، وفي النهاية ستجد ثلاثة أرباع معارفها في دائرة الاتهام، فالمتهمة إن لم تكن هذه فلابد أن تكون تلك، وبالتالي تقع القطيعة، والبغضاء، بل ومحاولة الانتقام، وقد تتطور الأمور إلى ما هو أكبر من ذلك. سحر الخدم والأسوأ من ذلك ما يرد ويتكرر على ألسنة بعض هؤلاء المعبرين وهم يفسرون "حلم تخمة" بسيل من التهم توجه جزافاً في العادة للخادمات وخدم المنازل، حيث يتهمونهم بالسحر وأعمال الشعوذة، بعدما يكون المعبر قد طرح عددا من الأسئلة عن وجود خادمة وجنسيتها، وهم يعلمون أنّه لا يكاد يوجد بيت إلاّ وفيه خادمة، فيرهبون المجتمع، ويظلمون هذه الشريحة، وفيها الطاهر والنزيه، وقد حدث أن وقعت إحداهن ضحية لمعبر، حيث عرضت رؤياها على أحد المفسرين، وكانت تتعلق بإحدى بناتها التي كانت تعاني مرضاً، وفسره المعبر بأنّه عمل سحري قامت به الخادمة، ومع أنّهم يعرفون خادمتهم جيداً، ويعرفون أنّها أسلمت منذ نحو أربع سنوات، إلاّ أنّهم اضطروا بناءً على ذلك إلى استدعاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت المفاجأة أنّها عندما فتشت محتويات غرفتها وأغراضها الخاصة لم تجد ما يدل على التهمة بتاتاً، بل وجدوا ضمنها تحويلات مالية تنفي التهمة تماماً، كانت تقتطعها من مرتبها الزهيد خصصته لإحدى الجمعيات التي تعنى بتحفيظ القرآن الكريم في بلدها. فارس الأحلام وحذر عددٌ من الباحثين وعلماء الاجتماع الأسر السعودية من الانسياق خلف مفسري الأحلام الذين يظهرون في القنوات الفضائية وغيرها، وأن لا يبنوا مستقبلهم على أحلام البشائر التي يزفها لهم عادة مفسرو التكسب، مهما كانت!، مستشهدين بقصص من الواقع المؤلم، منها تلك الفتاة التي رفضت الزواج من كل الذين تقدموا لها في ريعان شبابها؛ لأنّ مفسر أحلام من هؤلاء فسر لها حلماً عرضته عليه، مخبراً إياها أنّ إمام الحرم سيتقدم لخطبتها، وظلت تنتظر ذلك حتى تخطى عمرها سن الأربعين، وهي حالياً وبعد أن طارت الأحلام مستعدة للقبول بأي عريس مهما كان!. وانتقد الباحثون الهبوط بتعبير الرؤى إلى مستوى المراهنات السمجة، والتسويق الرخيص، وحشر العلم الشرعي بأمور تافهة لا طائل منها، خصوصاً عندما يتدخل مفسر الأحلام على سبيل المثال في كرة القدم، ويجزم بفوز الفريق الفلاني، ضارباً على وتر العاطفة وهو يستخدم أسماء الأندية الرياضية ذات الصيت والجماهير العريضة، مطالبين في الوقت نفسه بضرورة ضبط تعبير الرؤى تحت لواء وزارة الشؤون الإسلامية، ومنع ظاهرة التكسب، مؤكّدين أنّ هؤلاء المعبرين يبالغون في أسعار خروجهم على القنوات الفضائية، واحتساب أسعار الدقيقة بما يتجاوز ال (20) ريالاً، مشيرين إلى أساليب التحايل على المتصلين بإطالة الوقت أكبر مدة ممكنة بين تحويلات، وطلب انتظار، واحتساب ضريبة فتح خط، حتى تصل الدقيقة الأولى إلى (40) ريالاً في بعض القنوات، مشددين على أنّ نسبة كبيرة من مفسري الأحلام الذين يظهرون على شاشات القنوات الفضائية وعبر قنوات التواصل الأخرى كذّابون لا يعرفون شيئاً، ولا يعلمون ما معنى تعبير الرؤى، ولا الكيفية الشرعية الصحيحة للتعبير، وإنما أهدافهم في الغالب غير سوية، ويدخل فيها حب الشهرة والظهور لكسب قلوب النساء وتعاطفهن. عبث بالدين وذكر "د. عبدالعزيز الزير" - باحث اجتماعي - في حديث سابق ل "الرياض" أنّ ما يشاهد مؤخراً من تجاوزات شرعية وتهريج بغرض الشهرة والظهور الإعلامي من بعض من يدعي المعرفة بتفسير الأحلام هي لعب باسم الدين لا يجب السكوت عليه، معتبراً أنّ قلة قليلة فقط من المعبرين هم الثقات، أما البقية فهم متطفلون على هذا العلم، داعياً إلى تقنين تفسير الرؤى وتشكيل لجنة لتقويم المعبرين، وحصر الثقات منهم، ولجنة لمتابعة ما يطلقه المدّعون؛ لخطورة ما يتفوهون به، ما يتسبب أحياناً في جرائم قتل. وأضاف إنّ التعبير أصبح مهنة من لا مهنة له، فيستطيع أي أحد الاطلاع على بعض الرموز ويدعي القدرة على التعبير، مشيراً إلى أنّ المعبر الصادق غالباً ما يتحرج من الظهور في القنوات الفضائية؛ لأنّه يقدم ما يرضي الله سبحانه ولا يبحث عن الشهرة، منوهاً بأنّ كثرة مدعي علم التأويل أصبح ظاهرة في المجتمع يجب القضاء عليها أو تقنينها، لما تسببه التعابير الخاطئة من فوضى ومشاكل أسرية إضافة إلى تأثيرها في الأمن الوطني، من غير دراسة ولا علم ولا فهم ولا معرفة بأوضاع المجتمع، فيدخلون في أسرار الناس والأسر والبيوت، ويطلقون آراء شخصية واجتهادات لا يصح أن يطلق عليها تأويل رؤيا، وليست مبنية على ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم.