ما وضع النظام الإيراني يده في مكان إلا وحوله إلى خراب، هذه هي أدبيات الثورة الإيرانية للأسف، وهذا هو الواقع الذي انطلقتْ منه المملكة في بناء سياساتها معها على ضوء تجربة مريرة، لم تستطع فيه إيران أن تثبت أنها جار إقليمي يسعى لإقامة أفضل العلاقات مع محيطه ومع العالم، حتى ولا في فترة تولي الإصلاحيين السلطة في طهران، والذين وجدوا أنفسهم مكبلين بأيدولوجية الملالي التي لا همّ لها سوى تقويض النظام العربي بأي شكل، والمساومة على أقطاره في ملفاتها المعقدة مع العالم، ومع هذا فقد سعتْ المملكة في عهدي رافسنجاني وخاتمي إلى فتح صفحة جديدة مع طهران رغم كل ما تختزنه الذاكرة السياسية من أحداث ومناكفات، رغبةً في إحلال السلام على ضفاف الخليج، وإبعاد شبح الأزمات والمشاكل عن هذا الإقليم شديد الحيوية، إلا أن مستهدفات الثورة الإيرانية كانت دائما أبعد من أن تبحث عن المشتركات؛ لأن نظام الولي الفقيه يستعدي كل ما هو عربي، رغم استخدامه الفج لقضية العرب المركزية، وتصويره وتسويقه لنفسه على أنه هو البديل الطبيعي القادر على استعادة واسترداد الحقوق من اليهود المغتصبين، وما إن صدقته بعض الأطراف الفلسطينية، أو قبلتْ بهباته حتى تمزق الصف الفلسطيني، وأصبح لقاء أخوة ورفاق السلاح في فتح وحماس من سابع المستحيلات، وهذا ما ثبت من خلال عديد المصالحات بين الطرفين التي سرعان ما يتم نقض غزلها حتى قبل أن يجف حبرها، مما سمح لإسرائيل أن تتمادى في قضم الأراضي الفلسطينية قطعة قطعة، وبناء المستوطنات بمئات الآلاف على الأراضي المحتلة، وهو ما لم يحدث قبل أن تخترق إيران النسيج الفلسطيني وتمزقه إلى قطع شتى لا تنفع أبدا في حياكة أي نسيج وطني يمكن أن يستر ما تبقى من الجسد الفلسطيني، حتى ولا في أوج خلافات أبو عمار مع حماس والجهاد، قبل أن تنفذ إيران من ذلك الخلاف لتحوله إلى قطيعة تستعصي على الوصل. الآن، وبنفس الخطأ التاريخي تتمدد إيران باتجاه اليمن بعد أن فرغت من تمزيق العراق وسوريا ولبنان، ووضعتها تحت وصايتها المذهبية مستغلة بعض السذّج من حلفائها، الذين أذعنوا إلى أن ما يحدث إنما هو خلاف مذهبي وديني، لتوهم الحوثيين أن بوسعهم أن يحكموا اليمن بعمائم آيات طهران، متجاهلة كل وقائع التاريخ وكل معطيات الواقع في هذا البلد، بعدما بلغ بها غرور القوة إلى مدى لا يمكن الرجوع عنه، خاصة في ظل أوهام القوى الغربية أنها يمكن أن تكون لاعبا إقليميا مهما يقف في وجه بعض عناصر التطرف، ويسهم في تهدئة أوضاع المنطقة في أغرب قراءة لما يحدث على أرض الواقع، والذي هو بالتأكيد صنيعة إيرانية مائة في المائة، فهي التي جرت قوى التطرف إلى العراق، وهي التي أفرغت الثورة السورية من محتواها، وحولت الشام إلى أرض خصبة لإيواء كل المتطرفين في العالم في سبيل الإبقاء على عرش حليفها في قصر الشعب في دمشق، وها هي تعيد نفس السيناريو في اليمن بعد أن أجبرت الرئيس هادي وحكومته الشرعية على الاستقالة بعد أن فرضتْ عليهم الإقامة الجبرية، عندما لم يسلموا لرغبتها بالاستحواذ على السلطة من خلالهم، لتدفع اليمن إلى هذا الواقع الذي ينذر -لو استمر- بجر اليمنيين إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وهو ما حذرت منه المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ليس استعداء لإيران، وإنما بناء على أدوارها المركبة في كل الأقطار العربية التي امتدتْ إليها يد النظام الإيراني، واستثمرت سياساتها فيها إما بضخ الأموال وشراء المواقف، أو بإيهام حلفائها من الطائفة الشيعية من أنهم في مرمى الاستهداف، وعليهم بالتالي أن يتحصنوا بها كنظام يحمي حقوقهم. وحتى هذه اللحظة -وفي ظل غياب نظام عربي متماسك وقادر على قراءة هذا الواقع والتصدي له، وإذعان قوى الغرب لتجربة وهمية تأخذ فيها إيران دور الحليف الإقليمي القوي للمساهمة في ضبط الإيقاع في المنطقة، وهو ما لم ولن توفره كل التجارب مع هذا النظام- تواصل إيران دورها التقويضي في المنطقة الذي يسعى لتهديم النظام العربي، مما يدفع دول مجلس التعاون الخليجي -لحماية سيادتها وأمنها- إلى اتخاذ موقف متشدد مما يحدث في اليمن تفاديا لما هو أسوأ.