يواجه العديد من السعوديين في خلال رحلتهم التعليمية في الابتعاث الخارجي الكثير من المشكلات والصعوبات التي تتراوح ما بين الاجتماعية والنفسية وغيرها. وحذر استشاري نفسي سعودي من تزايد ظهور حالات انفصام الشخصية بين الطلبة السعوديين المبتعثين إلى خارج المملكة نتيجة الصدمة الحضارية والاجتماعية التي قد يعيشونها في ظل ابتعادهم عن أسرهم. وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور محمد بن محسن سحاق رئيس مركز الاستشارات بمجمع الأمل الطبي للصحة النفسية: إن حالات من انفصام الشخصية ظهرت لدى السعوديين المبتعثين إلى الخارج نتيجة الصدمة الحضارية والثقافية والاجتماعية التي واجهتهم في بلدان الابتعاث. وطالب أسر الطلبة، خاصة من أنهوا المرحلة الثانوية بتهيئة أبنائهم عبر دورات متعددة قبل الابتعاث، لأن برامج التهيئة لوزارة التعليم العالي تقتصر على تعريف المبتعثين بالحقوق والواجبات والقوانين في بلد الابتعاث وأخرى بالجوانب الدينية، موضحاً أن المبتعثين خاصة صغار السن يحتاجون إلى دورات عن المهارات التفاعلية والذكاء الاجتماعي وتقبل الآخر، والاندماج في ثقافتهم وطرق حل الأزمات والمشكلات، وهي - بحسب قوله - يجب أن تتوافر لهم مجاناً، مشيراً إلى أن الطلبة الذكور أكثر إصابة من الطالبات بالانفصام، حيث إن السعوديات أقوى في مواجهة التغيرات الثقافية والاجتماعية من الطلاب في بلدان الابتعاث. صورة جماعية لعدد من الشبان السعوديين المبتعثين لليابان أثناء زيارتهم إحدى الشركات الكبرى في طوكيو خلال الفترة الأخيرة . وأضاف بن محسن: "إن الفصام مرض نفسي خطير، يصيب وظائف الدماغ فيؤثر في قدرة الشخص على التقييم وإطلاق الأحكام الصحيحة، ويؤثر أيضاً على الجوانب المعرفية والإدراكية والوجدانية، ويظهر في صورة أعراض مرضية ظاهرة أو خفية"، منوهاً أن الفصام هو اضطراب عقلي يجعل من الصعب على من يصاب به معرفة الفرق بين ما هو حقيقي وغير حقيقي، أو التفكير بوضوح، كما يحدث خلل في الاستجابات العاطفية الطبيعية، والتصرف بشكل طبيعي في المواقف الاجتماعية، فيميل المصاب إلى الانعزال عن الناس وحب الوحدة، وعدم الاهتمام بنظافتهم الشخصية وبمظهره الخارجي بشكل واضح، والتحدث مع نفسه بصوت عالٍ أو منخفض، والتحدث بكلام غير مترابط وغير منطقي. ولفت، خلال لقاء نظمته الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام والذي حضره مجموعة من مرضى الفصام وأسرهم أخيراً في الرياض، إلى أن أعراض الفصام عادة ما تتطور ببطء على مدى شهور أو سنوات، وأحياناً تكون متعددة، وتقل أو تزيد حسب الهجمات النفسية التي يعانيها المصاب، ما يجعلهم ينتقلون من حالة نفسية إلى أخرى أو عدم القدرة على التعبير بالكلمات، مطالباً الأسر بأخذ الحذر والانتباه في حال انعزال أبنائها بشكل غير طبيعي عن محيط أسرتهم. واعتبر الدكتور بن محسن أن الفصام قد يسبب مشكلات عدة، كالقلق والاكتئاب والأفكار الانتحارية، فضلاً عن فقدان الأصدقاء والمقربين، مؤكداً أن مريض الفصام في المملكة يعاني من المجتمع والأسرة أكثر مما يعاني من المرض، نتيجة نظرة المجتمع القاصرة له ما يؤدي إلى انتكاسة وتزايد الأعراض عليه في ضوء عدم توافر البرامج التوعوية، سواء لأسرة المصاب التي عادة تفضل عدم علاجه حتى لا يعرف الآخرون أو للمجتمع. وأضاف: "إن المرض في السعودية يتزايد ضعف المعدل العالمي، حيث يصاب شخصان بين كل 100 ألف، في حين لا يوجد اختلاف في معدلات الإصابة بين الرجال والنساء، إلا أن النساء يصبن في سن متقدمة إلى 45 عاماً، في حين يصاب الرجال في سن مبكرة بين 20 و28، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً، وهناك عدة أمور تؤدي إلى الانفصام منها الحوادث التي تسبب تكتلات دموية على الدماغ، وارتفاع معدلات السكر لدى المصابين به إلى 700، ما يؤدي إلى حدوث الهلاوس لدى المريض، إضافة الى تعاطي المخدرات، والقسوة في تربية الأبناء والأطفال، أو الاعتماد الزائد على الوالدين في تفاصيل الحياة، فيضرب الابن عند الابتعاد عن والديه في حالات السفر أو غيره". من جانبها قالت لـ "الاقتصادية" الأميرة سميرة بنت عبد الله الفيصل رئيسة الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام، إن الجمعية تحتاج إلى 80 مليون ريال لتتمكن من القيام بدورها الحيوي بالشكل المطلوب لتوفير البرامج التأهيلية والعلاجية للمصابين بالفصام، حيث تحتاج إلى مقر دائم لها، فضلاً عن إنشاء وقف خيري لدعم الجمعية، إضافة إلى مركز ونادٍ متخصصين في الفصام بكوادر تأهيلية. وأكدت أن المرض بدأ يتفشى في المملكة ويحتاج إلى جهة متخصصة لتقديم الدعم للمصابين، لأن المصاب يحتاج إلى العلاج والتأهيل والدعم النفسي والمعنوي، منوهة في الوقت ذاته أنه لا يوجد سوى أربعة أطباء نفسيين متخصصين في مرض الفصام فقط على مستوى المملكة. وزادت الأميرة سميرة: "إن الجمعية تقوم بعدة برامج للتعريف بالمرض ونشر الوعي الثقافي في المجتمع ومساعدة أسر المصابين مادياً ومعنوياً، وتدريبهم على التعامل مع المريض، فضلاً عن طموحات كثيرة تسعى الجمعية لإيجادها على أرض الواقع مثل إنشاء مراكز متخصصة لمتابعة المصابين، حيث لا يجد المريض بعد إنهاء العلاج في المستشفيات مراكز تتابع تأهيله في جوانب متعددة، حيث إن المملكة بحاجة إلى التوسع في إيجاد الخدمات لمرضى الفصام ليعيشوا حياة كريمة أسوة بغيرهم من المواطنين". أما مشاعل العريفج الإخصائية الاجتماعية وعضو مجلس إدارة الجمعية، فبينت أنه لا يوجد أحد محمياً من الإصابة بهذا المرض الخطير، حيث إنه قد يصيب أي شخص كائنا من كان، فقد أصاب أطباء ومهندسين ومبرمجين، معتبرة أن ضغوط الحياة أصبحت اليوم فوق قدرة الإنسان، ما يجعل الجميع معرضاً لهذا المرض. وأضافت أن 27 حالة مصابة بالمرض تم تشخيصها في الجمعية التي نجحت في تأهيل عدد من المصابين، حيث ترعى نحو 150 مصاباً وأسرهم، لافتة إلى أن أحد المصابات تستعد حالياً لإصدار كتاب متخصص في تصميم الأزياء.