(من 5 ***) - حب، سرقة وتشابكات أخرى Love, Theft and Other Entanglements كما لو أن صانعي هذا الفيلم احتاروا في اختيار عنوان لهذا العمل الأول فقرروا عنوانا يشمل كل شيء، يأتي «حب، سرقة وتشابكات أخرى» (بالعربية يختلف العنوان قليلا) وفيه بعض الحب وبعض السرقة وبعض التشابكات الأخرى. في الواقع، عنصرا الحب والسرقة هما من بين تلك الأشياء المتشابكة التي يريد الفيلم عبرها تصوير زبدة من الحياة الفلسطينية عبر حكاية جديدة ومثيرة للاهتمام. إنه حول لص أسمه موسى (سامي مطواسي) ما زال على علاقة مع امرأة كانا مرتبطين قبل زواجها ولها منه ابنة صغيرة. في أحد الأيام يسرق سيارة مصطفة أمام منزل ويقودها إلى منطقة معزولة (تقع الأحداث في الأراضي المحتلة خارج القدس)، حيث ينوي بيع قطعها. هو يحلم بالهجرة وعليه أن يدبر المبلغ بأي شكل ممكن. لكن موسى لا يعلم عما تحتويه السيارة. ففي صندوقها الخلفي يقبع مجند إسرائيلي (يقوم به رياض سليمان) خطفته إحدى المنظمات (غير مذكورة بالاسم، لكن ليس من الصعب الاستدلال عليها) لكي تبادله بالأسرى الفلسطينيين المخطوفين لدى العدو. لك أن تتصور أهمية هذا الصيد الذي انتهى إلى يدي موسى، حيث مستقبل مئات الأسرى الفلسطينيين قد يتوقف على استعادة ذلك الجندي. لكن موسى الآن بات مطاردا من قبل الخاطفين، وحتى يبقى طليقا ويحقق حلمه بالهجرة يقرر بيع الجندي المخطوف للمنظمة التي لا تستطيع الآن فعل شيء سوى القبول بالمقايضة: عشرة آلاف دولار مقابل الجندي الإسرائيلي. لكن الخاطفين الفلسطينيين ليسوا وحدهم الذين يريدون استرداد المخطوف. هناك السلطة الإسرائيلية التي تتعقب موسى بدورها واثقة من أنه يعرف أشياء قرر إخفاءها عنها. موسى يضع المشكلة في إطارها الصحيح عندما يشرح للمجند الإسرائيلي وضعه على النحو التالي: إذا ما سلم المجند للإسرائيليين تم إعدامه من قبل الفلسطينيين، وإذا ما سلمه إلى الفلسطينيين عليه أن ينتظر نهاية وخيمة مشابهة من قبل الإسرائيليين. يعالج المخرج مؤيد عليان فيلمه على نحو كوميدي قائم على وضع مأسوي فردي، لكنه مفهوم اجتماعيا. يسير على الحافة بحذر. يريد أن يتواصل والجمهور العالمي ويعرف أن عليه ألا يكون حادا في نقده، لكن عليه في الوقت ذاته أن يكون واضحا وانتقاديا في عدد من المسائل. وهو ينجح في ذلك على نحو جيد. صوره بالأبيض والأسود وضمنه مفارقات جديدة في فيلم فلسطيني ولم يبتعد عن ناصية السرد الممكن فهمه وقبوله من فئات متعددة واشتغل عليه بحيوية واضحة، لكنه اعتمد على سيناريو يؤصل للحدث ثم لا يعود لديه الكثير من المفارقات فيضطر للدوران حوله. الروابط بين المشاهد ليست دائما صحيحة إلا إذا اعتبرنا أن رغبة المخرج في تقديم سينما طليعية كتلك التي سبقه إليها مخرجون فرنسيون في الستينات، هي الدافع. العلاقة القائمة بين موسى والمرأة المتزوجة تشكل دعما للقصة بكل تأكيد، لكن هناك استعجالا في تنفيذ دخول وخروج المواضيع الجانبية ضمن الهيكل الأكبر للفيلم. - (**** من 5) فارس الكؤوس Knight of Cups كلا. لن ينجز هذا الفيلم الدب الذهبي. ليس إذا ما انتشر ذلك الاستقبال السلبي الذي شهده الفيلم وسط الكثير من النقاد الغربيين، بين أعضاء لجنة التحكيم. لكن فيلم ترنس مالك يستحق أن يشهد التفاوت في الآراء، حتى وإن كان معظم ما سمعناه منها أو قرأناه، سلبيا. في الواقع ترنس مالك في «فارس الكؤوس» لا يحفل بنا وبآرائنا اليوم كما لم يحفل بها بتاتا من قبل. في النهاية يحقق الفيلم الذي يريد بالطريقة التي يريد. مشكلة بعض النقاد الرافضين هي أنهم، ببساطة، لم يجدوا المنفذ الملائم لدخول فيلم مؤلف من نحو 3000 لقطة أو أكثر كل منها من 4 إلى 8 ثوانٍ، باستثناء بعض لقطات البداية والنهاية حيث تصل اللقطة إلى أطول فتراتها: 20 ثانية. «فارس الكؤوس» هو ترنس مالك منذ «شجرة الحياة» مجسدا في موضوع جديد حول كاتب السيناريو ريك (كرستيان بايل) الذي يعيش مطلع نجاحاته في هوليوود. يحيا حياة الليل. مقبل على السهر والحفلات الماجنة. يحضر، في واحد من المشاهد، مناقشة للسيناريو الذي قام بكتابته. يدخل ملهى ليليا للرقص ويجالس الراقصة مستمتعا بحديثها له. لديه صديقة يتركها (ناتالي بورتمان) لسواها (فريدا بينتو) ثم يغير هذه لسواها أيضا (تيريزا بالمر) علما بأن المخرج سينهي سرد هذا الجانب من حياة بطله بلقاء متجدد مع مطلقته (كايت بلانشيت). لكن كل هذه العلاقات هي جانب واحد من شخصية تبحث عن ذاتها وما حدث لحالها منذ أن سعت لتصبح ما أرادت أن تصبح عليه. نسمع صاحبها، بطل الفيلم، يتساءل أكثر من مرة عمن أراد أن يكون ولماذا لم يتحقق؟ إنه غير راضٍ ومحمل بمعاناة احتواء العلاقة المتشرذمة بينه وبين شقيقه وبينهما وبين والدهما (برايان دنهي) الذي كان ممثلا، وبدوره، لم يحقق ما انطلق في مطلع حياته لتحقيقه. لا شيء مما سبق شرحه يرد هنا كقصة تستمع فيها لحوارات متبادلة حول هذه الشواغل. ولا شيء يرد هنا في سياق سرد تم صف أحداثه على نحو متتابع ليساعد الجمهور على الوصول إلى الرسالة. كما الحال في أعمال ماليك السابقة (آخرها «إلى العجب») الفيلم مسرود في شذرات مثل شرائط نارية تصعد من موقد. أنت هنا مع ريك وهو يقود سيارته. قطع لمشهد للساحل وهو يركض على شاطئه. قطع لطائرة مروحية تمر في سماء المدينة. السيارة. البيت. ريك مع شخص آخر. ريك وحيدا. غرفة نوم. لصان يداهمان ريك. كاميرا تحت سطح الماء.. إلخ. لا عجب أن الجمهور يضيع من بعد الدقيقة الأولى مباشرة غير قادر على استيعاب جامع لمعظم ما يرد على الشاشة من لقطات. وبما أن الحوار يخرج بالقطارة بدوره (نسمع دوما الشخصية وهي تبدأ كلاما ثم يخفض المخرج صوته وهو لا يزال يتكلم ويبتعد صوب أصوات أو بصريات أخرى) فإن المشاهد يسأل نفسه السؤال ذاته في كل مدة عرض الفيلم (118 دقيقة): ما الذي يحدث؟