×
محافظة المنطقة الشرقية

هل ساهمت عودة بيكيه في تحسن أداء برشلونة؟

صورة الخبر

مع ارتفاع منسوب قمع حرية التعبير في غالبية دول المنطقة المحاصرة بالإرهاب والتطرف بعد الانفراج القصير الذي رافق رياح التغيير مطلع 2011، يتساءل إعلاميون عن الجدوى من ممارسة دورهم الرقابي لحماية المجتمعات من توغل السلطات. وتتساءل غالبيتهم عن إمكان تغطية الوقائع باحتراف مع البقاء خارج القضبان، في ظل رقابة صارمة وقوانين تحمي سرية المعلومات وتعرقل مهمة الوصول إليها؟ وفوق ذلك تتغلغل رقابة ذاتية لدى الغالبية التي اعتادت التهرب من الكتابة في مواضيع حسّاسة ومهمة، إلى جانب رأي عام تعوّد نبذ الطرف الآخر. وهم محقون. فثمن قول الحقيقة هذه الأيام بات كبيراً من الناحيتين المادية والمعنوية: التوقيف أو القتل في زنازين الأنظمة القديمة/المتجددة أو التصفية والنسيان في أقبية الميليشيات والتنظيمات التكفيرية. يواجه الخارجون عن مسار القطيع الرسمي أخطار المثول أمام القضاء بتهم غالبيتها معلبة وجاهزة مثل «إثارة الفتن»، «دعم الإرهاب» أو «تعكير صفو العلاقات مع دولة صديقة». والأسوأ مواجهة تواطؤ رؤسائهم وزملائهم في الكار ممن يقفون في الخندق المقابل، ونبذ مجتمعاتهم التي باتت تنظر إليهم كعامل إخلال بالأمن ومصدر للشقاق والنزاع. اليوم ثمّة أقلية تتمتع بالمهنية والشجاعة لا تزال ملتزمة خدمة مجتمعاتها من خلال كشف تجاوزات السلطة وحماية المواطنين من استغلال المتنفذين في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل والحقيقة بالتلفيق، ضارباً ما تبقى من صدقية هذا القطاع الحيوي الذي تحول إلى مشجب لتعليق الأخطاء تحت باب حماية الأمن القومي والسلم المجتمعي. المنتسبون إلى «السلطة الرابعة»، وخصوصاً في مجتمعات صدّعتها الحروب وشرذمها الدمار والفوضى السياسية، يعيشون اليوم تحت رحمة الأنظمة العائدة من شبح الانهيار وتحالفات مبطنة بين حكومات ورجال أعمال يمولون مؤسسات إعلامية تعمل إلى جانب إعلام حكومي أحادي اللون يدفن رأسه في الرمال، تاركاً الفضاء للإعلام المجتمعي وتطبيقاته الشتّى. إعلام حكومي- استثماري تحول إلى منابر سياسية لإسكات الرأي الآخر، تخوينه، شيطنته، وإقصائه. قبل الربيع العربي كان المشهد واضحاً: إعلام حكومي موجه وفضائيات عربية تملكها حكومات غنية أو رجال أعمال متنفذون «موالون» للسلطة للدفاع عن سياسات الأمر الواقع وإن في شكل تحريري منمق. بعد التغيير، دخل الإعلام الإخواني والجهادي والداعشي والليبرالي والحوثي واليساري والقومي والموالي للسلطة الجديدة أو للفلول أو المعارض، كمنافس رئيس لوسائل الإعلام الرسمية المكبلة. ودخلت على الخط آلاف المواقع الإلكترونية وما يسمى «الصحافي المواطن» الناشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وطــــاولت هــذه المؤسسات بشقّيها التقليدي والجديد الانقسامات السياسية والعرقية والمذهبية المسيطرة علـــى غالبية المشهد في العالم العربي المتغير. وأجهز ذلك على ما تبقى من تقاليد مهنة تتطلب الحياد والمــوضوعية لخدمة المجتمع ومراقبة المسؤولين المفترض أن يكونوا خدام الشعب لا أوصياء عليه. الأسوأ أن غالبية الفئات التي كانت ترى في حرية التعبير مكسباً وحيداً لتداعيات الثورات، باتت تتجه إلى تقبّل التضحية بهذا الحق الكوني وانتهاك حقوق الإنسان مقابل وعود باستعادة الاستقرار والازدهار الاقتصادي بعد أن عايشت انهيار هياكل دول مثل ليبيا، اليمن، سورية، العراق، وتوجست من اضطرابات في دول أخرى مثل تونس، مصر، البحرين والأردن. النظام القديم في هذه الأجواء، تتجاسر قيادات على فرض النظام القديم مستغلة الفوضى المنتشرة عبر دول المنطقة ومشاعر الخوف التي تعكس جهلاً كبيراً ناتجاً من نظم تعليمية موجَّهة بائدة تغيّب قيم المشاركة والتعددية، فضلاً عن أنظمة اقتصادية تكرس الفساد واعتماد الفرد على القطاع العام. اليوم يقول مواطنون عرب - حالهم حال غالبية الإعلاميين- إن الشيطان الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه أو ستتعرف عليه لاحقاً. ويشكون من أن الربيع العربي لم يجلب لهم إلا ارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة. وتزايدت صعوبة العيش مع كل شطط الحديث عن الديموقراطية المزعومة ومشاهد القبور الجماعية في ليبيا وسورية والعراق، مع تدفق ملايين اللاجئين عبر الحدود على مدار الساعة. ويدفع هؤلاء بأن الصحافة الحرة والمستقلة لم تأتِ بمكاسب، وأن حماية الحريات الشخصية والإنسانية لن تجدي إذا جاءت على حساب الأمن والاستقرار، من دون إدراك لأن للتغيير كلفة وتضحيات. بالتأكيد، ليس ثمّة إجابة مبسطة عن كل التساؤلات التي تدور في بال الإعلاميين هذه الأيام. لكن الإعلام بات جزءاً من تعقيدات الوضع العربي الراهن بدلاً من أو يوفر الحلول لها. ومع ذلك، بات الصحافيون أمام عامل حاسم جديد! علينا اليوم تقرير الآتي: من نحن وما هي طبيعة المهمة التي نريد ممارستها؟ حالنــا اليوم على مفترق طرق، وفق تشخيص الصحـــافي البريطاني تيم سيباستيان في كلمة ألقاها أمـــام الملتـــقى السنوي السابع للصحافيين الاستقصائيين العرب بعنوان «الإعلام العربي: معركة الاستقلالية». «الصحافي (العربي) اليوم كمن يسير على طريق سريعة لكنه لا يستطيع السير على كل المسارات دفعة واحدة»، قال سيبساتيان في عمان مطلع الشهر الماضي. «عليك اختيار مسار والثبوت فيه. فخيار منتصف الطريق بحيث تكون حراً في يوم وتقبل القيود في اليوم الثاني يضيق بسرعة. ذلك أن الدول العربية واحدة تلو الأخرى تريد ان تعرف إذا كنت معها ام ضدها، وسوف تصنّفك طبقاً لذلك». ويرى سيباستيان، المطل على المشهد العربي من داخله، أن الإعلام «وصل إلى نقطة حرجة ولا يمكن أن تكون المخاطرة أعلى من ذلك». ويخلص إلى قرع الناقوس: «إذا استمرت شعلة التعبير الحر في التناقص في هذه المنطقة، ستمر أجيال عديدة قبل أن تُرى هذه الشعلة مرة أخرى وقبل ان تُسمع الأصوات المستقلة مجدداً في وسائل الإعلام العربية وقبل أن يستطيع الإعلاميون محاسبة الحكومات على سياساتها». فغالبية الإعلاميين باتت تفضل التكيف مع الأنظمة الموجودة لقاء الاحتفاظ بوظائفها وإرسال أطفالها إلى المدارس. وهنا مكمن الخطر الآني والمستقبلي. فالقرارات التي على الإعلاميين اتخاذها حول طبيعة العمل ونوعية الإعلام الذي نريده لمجتمعاتنا ولمنطقتنا، ستشكّل مستقبل الأوضاع التي سنتعايش معها نحن وأطفالنا وأحفادنا. والحال أن علينا التفكير في الخطوط الحمر التي نتقبلها. بعضهم اختار مساره مسبقاً: لن ننتقد السلطة لأننا لا نريد أرجحة القارب. هذا المثال يتبدى بوضوح في مصر منذ إطاحة حكم الرئيس الإسلامي محمد مرسي، فقد تراجعت حرية الرأي والتعبير بصورة مقلقة. وباتت مصر الدولة الأخطر على الإعلاميين بعد سورية والعراق وليبيا. في الأردن، حال البحرين، تتشكل مناخات متشددة هذه الأيام ضد الرأي الآخر. في اليمن شد وجذب بين الحوثيين ومن خدم النظام السابق. سورية والعراق تحولا إلى مقابر للصحافيين. في تونس، دخل الإعلام لاعباً رئيساً في معركة الانتخابات التشريعية والرئاسية بين «نهضة» الإخوان ونداء تونس. وسط كل ذلك تغيب المهنية يمكن تفهم وجهة النظر هذه لكن لا يمكن تقبلها. من الأفضل لهؤلاء الانضمام إلى الحكومات وكتابة بياناتها الصحافية. هذا ليس معيباً لأن هناك كثراً داخل الوزارات ممن يعملون بتفان لخدمة ما يعتقدون أنه المصلحة العامة: يريدون إبقاء الأمور هادئة ومستقرة من دون إغضاب المجتمع. لكن هذا ليس ضمن مهمات الصحافة ومهنة المتاعب. فمن لا يجرؤ على هزّ المركب للتنبيه من الأخطار، يتحول إلى جرّاح يرفض إجراء جراحة، وبالتالي لا فائدة منه لمجتمعه ولمهنته. يجب ألا نتحول إلى شهود زور، وعلينا التصرف كحارس يقظ على مصالح المجتمع، يبلّغ الشعب بما يدور حوله من أخطاء أو إيجابيات. ننشر الحقائق التي تساعد في تصحيح المسار وتُقصي الظلم والمعاناة، ونتحدث عن أحوال البؤساء والمهمشين لنساهم في جعل الحياة أفضل. مهمتنا ليست الصمت وتقبل الظلم وتدني الكفاءة والقمع والتعذيب وانتهاك الحقوق الأساسية. ندرك أننا نعمل اليوم في أخطر مهنة في أكثر مناطق العالم سخونة. لكن ذلك لا يعني أننا من دون مسؤوليات. فمهمة الصحافي كتابة المسودة الأولى للتاريخ. إذاً، لنبتعد عن الكذب وإخفاء الحقائق، ولنعمل ضمن معايير الدقة والمهنية على أمل رفع سقف الحريات المتاحة وتوسيع هوامشها. فمن حق الأجيال القادمة الاطلاع على ما يجري، من فعل ماذا ولمن ولماذا وكيف وأين؟ فمساهماتنا الاحترافية هي الأساس في تثقيف المجتمعات ورافعة للديموقراطية. وواجبنا الاستقلالية إلى أبعد الحدود والاستماع إلى وجهات نظر المجتمع، خصوصاً تلك التي لا تروق للغالبية. حرية التعبير معركتنا. علينا الدفاع عمن لا نحب بالمقدار الذي ندافع فيه عمن نحب. فإذا لم يتمتع فرد واحد بحرية التعبير، وهو حق أساسي ومفتاح للمطالبة بسائر الحقوق الإنسانية، لن يتمتع أحد بها، وسيكون المجتمع كله في خطر. حرية الصحافة تعني الكثير: مجتمعات حرة ومتسامحة تقبل الرأي والرأي الآخر وتقرر ما تريد. والتاريخ الحديث أثبت أن الأحكام العرفية وحظر حرية الرأي وإلقاء المعارضين في السجون أو قتلهم، قد تؤخر الانفجار لكنها لن تجلب الأمن والاستقرار. * المديرة التنفيذية لـ «شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)» www.ari.net