السيسي لم يرث إدارة دولة منهكة بعد حكم الإخوان وإن كان بعد إسقاطهم حدثت مواجهات قوية، ولكنه ورث فشل الجمهورية الأولى المصرية في تحقيق التنمية والتقدم الكمي والنوعي لمصر بعد أن كانت مصر قد ورثت كفاءات بشرية وبنية تحتية ممتازة للقضاء والتعليم من المستعمر الإنجليزي، ووصل مستوى النمو المصري بأن أقرضت مصر إسبانيا وبلجيكا. أسباب الانحطاط لا تعود فقط لحكم مبارك، بل يعود أساسها إلى عبدالناصر مؤسس الحكم البوليسي في العالم العربي والذي صدّره إلى لبنان وسورية وليبيا واليمن بأن وطّن لسياسات اقتصادية مازالت مصر تدفع ثمنها إلى الآن.. وأولها دعم الاستهلاك الداخلي من المحروقات المستوردة بأسعار ثابتة ظلت تنهك الاحتياطي النقدي المصري وتزيد فجوة العجز التجاري المصري.. سؤال: ما الفرق بين دعم المحروقات المصري والسعودي؟ الجواب هو أن دعم المحروقات السعودي خسارة اقتصادية وليست مالية، لأن الدولة السعودية لا تشتريه ولكن توفر الكمية المطلوبة داخلياً بأسعار لا تعكس القيمة الحقيقية.. أما مصر فتستورد المحروقات بقيمتها الحقيقية وتبيعها بأسعار ثابتة وقديمة.. سياسة الدعم هذه شوهت النشاط الزراعي المصري بدعم كل فدان قطن بمبلغ 200 دولار مما قلل كفاءة الإنتاج الذي انخفض من 200 ألف طن إلى خمسين ألف طن مصدر.. وكذلك استخدام تقنيات بدائية وجعلت تطور القطاع الزراعي يكون على حساب أياديه العاملة. السيسي اتخذ قرارات إصلاحية جريئة لبلد فقير بإلغاء الكثير من سياسات الدعم، وتعاونت دول الخليج، مثل الإمارات، مع مصر حيث دعمت ما يخص الطاقة بحدود 8.7 مليارات دولار على شكل تسهيلات، بل وتضافرت دول بتمويل الميزانية المصرية والمشاركة في تمويل صندوق تنموي مصري تصل ميزانيته إلى عشرة مليارات دولار لتمويل البنية التحتية في الطاقة المتجددة والتعليم، وبرغم أن مصر لم تتجاوز صعوباتها الاقتصادية فالجنيه المصري مازال يتراجع، لكن مصر تسير نسبياً في طور التحسن.. فماذا نسي السيسي؟ نسي السيسي خلق قوى محلية سياسية حقيقية تدار من الجيل الجديد المؤمن بالاقتصاد الحر، ولا يحد أي تيار من خلق أي قوى سياسية طالما أفكارها غير إرهابية، وتؤمن بالدولة والوطن، خلو مصر من هذه القوى يعيد الإخوان إلى الساحة، وهنا الخطر، ولن يقبل المصريون مرة أخرى بالحاكم الأبدي أو الحزب الحاكم، والغرب وإعلامه لا يتوقفان عن التحرش بالسيسي من التسجيلات التي روّجت عليه وعرضت بطريقة تسيء له، وأيضاً قضية الإعلامي (بيتر غريست) وإبرازه كبطل لتشويه صورة السيسي ونظامه.. الملك القوي سلمان - حفظه الله- لم يترك للإشاعات وقتاً حيث أخرسها، لكن السيسي يجب أن يهتم بتأميم مؤسسات قوية وأوجه شابه جديدة لها، السيسي ورث دولة منهكة تبقى منها خط دفاعها الأخير وهو الجيش، وعليه أن يعيد تماسك البنية التحتية وعلى رأسها القضايا الاقتصادية دون أن ينسى الإصلاح السياسي بخلق قوى قادرة على إدارة الدولة مستقبلاً، ومتابعة التنمية وإجابة من سيحكم مصر بعد انتهاء فترة السيسي.