يعود الروائي السوداني المهاجر عبد العزيز بركة ساكن بروايته الجديدة الرجل الخراب إلى عوالمه التي اعتاد رسمها بحرفية زائدة، ومحاولة تشريح الراهن السياسي والثقافي والاجتماعي في العالم العربي وأوروبا. ويتناول ساكن في هذه الرواية معاناة المهاجر غير الشرعي والمواطن غير المعترف بمواطنته في أرض غير أرضه، مع استخدام لغة السينما السردية في تقاطعاتها الزمانية والمكانية بإشراك القارئ المفترض وجعله جزءا لا يتجزأ من سيرة السرد السيري لحيوات الكاتب والراوي والشخصيات المحورية داخل الرواية. وتطرح هذه الرواية سؤال الحضارة الغربية وتمثلاتها على من أجبرتهم الظروف على الهجرة من العالم الثالث إلى أوروبا، كما ترتبط إستراتيجية العنوان بفوضوية العالم سرديا وفق رؤية الرائي. قول فصل ومع كل هذه التقاطعات، لا تقول رواية الرجل الخراب الرأي الفصل في ما طرحته من قضايا، بل تطرح كل حالة وحدها لتلتقي كلها عند سؤال الخراب الذي أصاب العالم وجعل الإنسان أقل وعيا جراء ما أصابه من تحولات وتبدلات لعبت فيها الظروف الاقتصادية المحيطة بالعالم الفقير دورا في بحثه عن الخلاص الشخصي مما يوقعه في مطبات وعصابات بشر. وفي سؤال للجزيرة نت حول روايته وما أراد إضافته لكتاباته السابقة، قال عبد العزيز بركة ساكن ما أريد أن أقوله من روايتي هو ما يفهمه القارئ، فكل قارئ مؤلف، وبالتالي لا يعرف الكاتب من سيقرأ روايته ويخرج بفهم يخصه من القراءة، وما يصل إليه يقع على مسؤوليته، أنا أكتب وهذا كل ما بإمكاني فعله. وأضاف ساكن أن هذه هي أول رواية يكتبها من مكان إقامته في النمسا، مضيفا أنا لا أهتم بالموضوع ولكنني أهتم بالشكل الذي يخلق موضوعه ودائما ما أسعى للتجريب. فوضى السارد استلهم المؤلف الكثير من القضايا التي تهم الإنسان الذي يعيش على هامش الحياة ويتعرض يوميا لنكبات عقلية وجسدية وأخلاقية تجعله مستسلما لمصيره المأساوي.. نستطيع أن نقدر عمر (هاينرش) الآن بحوالي بضعة وستين عاما. وهذا اعتمادا على طبيب الأسنان ووثائق مكتب العمل. وهاينرش الذي حمل سابقا اسم درويش في موطنه الأول لم يجد ما يعصمه من سؤال الهوية سوى الانغماس في مجتمعه الجديد، وحمل اسم جديد يتواءم مع بيئة قذفته الأيام إليها، فعاش ما بين صراع الموطن الأول والثقافة التي يحملها والثقافة التي فرضت عليه، وتحول من صيدلاني تخرج في جامعة أسيوط إلى مربي كلاب. ويمضي الروائي في تجريبه بإدخال أجناس أدبية مختلفة وروح المقال الصحفي والكتابة الحرة داخل نسيج سردي واحد. وتذهب الرواية إلى طرح موضوع الهجرة غير الشرعية وما يصحبها من حكايات عن تجارة الأعضاء والعنف الذي تستخدمه عصابات ضد أشخاص سلموها أنفسهم طوعا طمعا في الخلاص. سيرة البطل ويقول الروائي والناقد السوداني عماد البليك للجزيرة نت إن الرواية تعكس بشكل مختصر معاناة ما يسمى بالجيل الثالث من المهاجرين إلى أوروبا وقضايا العنصرية والإسلام وتمزقات الذات والآخر عموما. ويضيف البليك أن حدة الأثر السياسي تنحسر في رواية ساكن الأخيرة، مشيرا إلى أن القصة تستفيد من تجربة الكاتب في مهجره ورحلته إلى أوروبا. من جانبها، تذهب الناقدة التونسية ابتسام عاشوري إلى أن رواية الرجل الخراب تزامنت مع أحداث شارلي إيبدو في فرنسا التي أظهرت على السطح من جديد مسألة الصراع الحضاري ومدى اندماج العربي المسلم الذي يعيش في المجتمع الغربي مع هذه الثقافة الجديدة. وأضافت عاشوري أن الرواية تعتبر تعرية للذات العربية التي تتظاهر بالاندماج وتقبل هذه الثقافة لكنها في داخلها لا تعيشها، فحسن درويش بطل الرواية شخصية شيزوفرينية تظهر ما لا تبطن.