لندن: جميلة حلفيشي أجمل شيء في الموضة حاليا تنوعها الشديد، وأجمل ما في لندن مسارعتها لاحتضان كل الجنسيات والثقافات، ما دامت تتمتع بالموهبة. وربما هذا هو سر نجاحها كمركز تجاري وكعاصمة تحتضن واحدا من أهم أسابيع الموضة العالمية، وأيضا ما يجعل مصممين كبارا، من أمثال توم فورد ومارك جايكوبس وغيرهما يفتتحون محلات رئيسة فيها. وعلى ما يبدو، فإن الأمر لم يعد يقتصر على الأسماء الغربية العالمية، بعد أن ظهرت أسماء عربية تصر على أن تسجل حضورها فيها. واحد من هذه الأسماء نور الصباح، التي افتتحت مؤخرا محل «أون موتكومب» (Motcomb ON)، الواقع في قلب بلغرافيا، قبالة شارع سلون. المحل يعد الأول من نوعه في لندن، حيث إنه متخصص بأزياء المساء والسهرة والعباءات الراقية، وحتى قبل افتتاحه، يثير ضجة كبيرة في أوساط الموضة، بسبب صاحبته وفكرته. صاحبته نور الصباح عملت لسنوات في بوتيك العثمان بالكويت، رئيسة قسم المشتريات ومديرة الموضة، مما جعلها تؤثر بشكل مباشر على أذواق نساء المنطقة، كما على مصير كثير من المصممين الصاعدين. فالمعروف عنها جرأتها في اختيار تصاميم ليست دائما تجارية، فضلا عن دعمها للمواهب الشابة، التي برهنت على قدرة عجيبة لاكتشافها قبل أن تشتهر. بكل تواضع تنفي نور أن يكون لها تأثير كبير على المنطقة، قائلة: «بالعكس أنا أومن بأن أذواق وتوجهات النساء في المنطقة هي التي أثرت علي وكانت مصدر إلهامي. زبونة (العثمان) هي أكثر وعيا بآخر صيحات الموضة العالمية، ونحن نعتبر أنفسنا محظوظين جدا لأن لدينا شريحة واسعة من الزبونات اللاتي وطدنا علاقاتنا بهم، ويتمتعن بجرأة وثقة، مما سمح لنا بأن نتحلى نحن أيضا بالجرأة والثقة في اختياراتنا». وتشير إلى أنه منذ فتح بوتيك العثمان أبوابه في عام 1956، وهو يتمتع بالنجاح والقدرة على قراءة السوق وتوجهاتها. لهذا ترى أنها محظوظة بالفرصة التي أتيحت لها للعمل فيه، وهي فرصة جاءتها بالصدفة حين كانت تتسوق في المحل. تقول: «كان السيد رشاد طبيعات، المالك لبوتيك العثمان، يحب مقابلة الزبائن ومعرفة ردود فعلهم حول كل المنتجات المعروضة، تبادلت معه الحديث، وقدمت له بعض الأفكار والمقترحات التي أعجبته، فعرض علي أن أعمل معه. لم أتردد وقبلت على الفور، فقد كنت شغوفة بعالم الموضة، بحكم بيئتي ومحيطي. فعائلتي مكونة من أربع بنات فضلا عن والدتي التي كانت قدوتنا في اختياراتها وذوقها، وكانت ترتدي أرقى الموديلات، وتبدو دائما في غاية الأناقة». وتتابع: «دوري في المحل يتمحور حول البحث عن الاتجاهات والأفكار الجديدة، ثم تحويلها إلى اقتراحات نعرضها لزبائننا. خلافا للاعتقاد أنها مهمة سهلة يمكن لأي عاشق للموضة أن يقوم بها، فهي تحتاج إلى (عين) تلتقط توجهات السوق، وحس يعرف كيف يمكن أن يترجمها في أرض الواقع، إضافة إلى الاستعداد لجلب هذه الأزياء إلى السوق بعد التفاوض مع المورد والمصممين. كل هذا حسب اتجاهات السوق؛ سياسة البوتيك وميزانية الشركة». خمس سنوات قضتها نور الصباح في مهمتها، حققت فيها نجاحا للعثمان، واسما لنفسها. فكل أوساط الموضة تعرفها وتحترمها. لكن بعد خمس سنوات لم يعد كل هذا يكفيها، فهي تطمح أن تحلق أعلى. وخلال إحدى زياراتها إلى لندن، انتبهت إلى أن هناك ثغرة في السوق حفزتها على ملئها، وكانت النتيجة محلها «أون موتكومب»، وتشرح أن الفكرة منه تقديم «تجربة تسوق شخصية وحصرية من خلال عرض أزياء من بيوت الأزياء العالمية»، نذكر منها «بالمان»، كارولينا هيريرا، إيلي صعب، جيامباتيستا فالي كوتير، جايسون وو، مونيك لولييه، نعيم خان وزاك بوسن على سبيل المثال لا الحصر. وتؤكد أن الفكرة لم تولد بين ليلة وضحاها، بل جاءت نتيجة أبحاث موسّعة توصلت بعدها إلى أنه «على الرغم من أن لندن عاصمة التسوق بلا منازع، فإنها تفتقر إلى المتاجر المتخصصة، بينما تفتقد المتاجر العريقة والضخمة إلى الجو الحميم الذي ترغب فيه الزبونات، إضافة إلى عدم توفرها على كل الأسماء المهمة، مثل زاك بوسن وأمثاله». من هذا المنطلق، قررت نور أن تجعل من «أون موكومب» الوجهة التي تطلبها كل أنيقة عارفة بخبايا الموضة، وتريد أزياء راقية لسهراتها ومناسباتها المهمة، والأهم أزياء لا تتوفر في كل مكان. النقلة لم تكن سهلة بالنسبة لها؛ فقد واجهتها كثير من العقبات البيروقراطية والفنية، ولكن بعد نحو سنة من التخطيط والعمل تم أخيرا افتتاح المتجر. وكان يستحق كل الجهود والمتاعب، إذ سرعان ما يتبين لزائره أن فكرته لا ترتكز على استعراض وتوفير الأزياء الأنيقة فقط، بل أيضا الحرص على التنوع وتقديم أسماء شابة تضاهي بقدراتها أكبر المصممين العالميين، مثل ماريوس شواب، إيرديم وغيرهما من الأسماء الشابة، من باب رغبتها في تسليط الضوء عليهم في البدايات، وقبل أن تتأثر قوتهم الإبداعية بدخولهم الأعمال التجارية البحتة. ولا تنسى نور أن تذكر «بالخدمة الشخصية للراغبات في المزيد من الخصوصية، بالتذكير بقسم منعزل مزود بأرائك وثيرة مخملية، ومرايات كبيرة، ومجموعة من الخزانات التي تحتوي على مختلف القطع لكثير من المصممين العالميين، وغرف تغيير ملابس واسعة، كما أن هناك فريقا متخصصا جاهزا لتقديم أي مساعدة، بما في ذلك خدمة التسوق الشخصي، والحصول على النصائح والأفكار لمظهر أنيق ومتكامل، إضافة إلى أي تعديلات يتطلبها التصميم لكي يصبح خاصا بصاحبته». واللافت أن المعروضات وفكرة المحل ليست كل ما يلفت النظر في هذه التجربة الجديدة، فالديكور أيضا متميز، وبلمسات مصمم عربي هو البحريني عمار بشير، الذي استطاع أن يترجم رؤيتها في كل ركن من أركانه. كانت نور واثقة أن عمار أكثر من سينجح في ترجمة طموحاتها وأفكارها، من خلال تصميم يجمع الفخامة والخصوصية بصبغة معاصرة. منبع هذه الثقة أنه سبق لها أن تعاونت معه في تصميم بوتيك العثمان بالبحرين، الذي جاء على شكل امرأة تحمل مروحة صينية، استوحاه من رحلة قام بها إلى شانغهاى. كل هذه العناصر جعلت المحل، ومنذ افتتاحه، يثير ضجة، والكثير من الحماس في صفوف المصممين المخضرمين والشباب المتطلعين للسوق العربية خصوصا؛ فهم يعرفون مسبقا أن المحل سيكون وجهة للأثرياء العرب، إضافة إلى سياح من الشرق الأقصى وروسيا ممن يرتادون لندن بشكل منتظم بحثا عن قطع متميزة، وأغلبهم يقطن في منطقة بلغرافيا، حيث يوجد المحل. لا تنكر نور هذا الواقع قائلة إن «هناك دائما إقبالا عربيا على القطع المميزة، بسبب الأعراس التي تحتفل بها العائلات على مدار العام، ويفسر رغبة بعضهن في شراء أكثر من فستان، لحضور عدة مناسبات، وضمان عدم تكرار الإطلالة». وربما هذه الثقافة العربية هي التي جعلتها تركز على أزياء المساء والسهرة، ولا ترى أنها مقيدة على الإطلاق: «فنحن نجد أن هذا التخصص في أزياء المساء والسهرة يضفي بعدا جديدا للتسوق، ويسهّل على المرأة إيجاد ضالتها عوض زيارتها لأكثر من متجر».