ستتحوّل إلى طفل غض بمجرد أن تفتح كتاب (أساطير شعبية) لعبد الكريم الجهيمان حيث ستتولى عينك ما كانت تفعله أذنك بقراءة (السباحين)، وهي مصطلح يشير إلى ما كانت الجدات يقصصنه على مسامع أحفادهن، ورصدها الجهيمان في أربعة مجلدات ثرية وبهية، ولكنك معه ستسمعها برواية أخرى تعتمد اللغة الفصحى وليست العامية المحلية، وهنا يجري الاختراق الإبداعي حين يوظف الجهيمان اللغة الفصحى لتؤدي دوراً حكائياً ويحوّلها إلى لغة محكية ويومية وشعبوية كما هي لغة ألف ليلة وليلة تماماً، حيث هي نص فصيح ولكنه حكائي وتلقائي وبسيط كبساطة الحكاية ومتدفق كتدفقها، وهنا يأتي المصنع اللغوي ليجاري المصنع السردي ويبدأ تشكيل الذهن تبعاً لهذه الثنائية الخيالية من جهة واللغوية التجريبية من جهة ثانية، ولقد كانت مغامرة كبري للجهيمان بأن يترجم السرد العامي إلى سرد فصيح مع الحفاظ على خصائص الحكاية، وهذا اختراق كبير في صناعة الكتابة يجعل النصوص مدرسة في توظيف اللغة العصية لتكون طيعة وما هو نخبوي يصبح شعبياً، ومنها سيتحول ذهنك وأنت تقرأ إلى ذهن طفولي يطير فرحاً وينتعش مع النص، وهذه عبقرية إبداعية فريدة يحققها عبد الكريم الجهيمان ويحوّلنا كلنا إلى أطفال للغة وللحكاية معاً، حيث يحقق الجهيمان كشفه الإبداعي بحل الثنائية المعقدة التي عانى منها توفيق الحكيم وأعلن حينها عن مطمحه في أن يصل إلى نوع من الفصحى تكون لغة للمسرح والسرديات، وتنطوي على مستوى محكي وتخفف من سطوة الأسلوب الكتابي المستعصي على الحكي، وجاء الجهيمان ليعطي نموذجاً على نجاح هذه المحاولة في نص يحكي ويسولف ولكن بلغة فصيحة وهنا يأتي مصطلح (الفصحى المحكية)، كما فعل مدونو ألف ليلة وليلة من قبل.