تظاهر الآلاف من أبناء الشعب اليوناني من مختلف الاتجاهات والأعمار مساء أول من أمس. تظاهروا في عدة أماكن في اليونان وخارجها تأييدا لموقف الحكومة اليسارية بزعامة رئيس الوزراء الكسيس تسيبراس في المفاوضات مع الشركاء الأوروبيين، وكانت أقوى هذه التجمعات في ميدان سيندغما المواجه للبرلمان وسط أثينا وتم تقدير عدد المشاركين بـ8 آلاف شخص. كما شهدت اليونان تجمعات أخرى في مدينة ثيسالونيكي شمال البلاد وأيضا في باترا وجزيرة كريت، ولأول مرة ربما يتم تنظيم تظاهرات في اليونان بهذا الحجم ليس للاحتجاج على قرارات الحكومة وإنما للتأييد. وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع عدد من المتظاهرين، الكل هنا مصمم على أن الشعب حاضر وبصوت واحد ويقظة دائمة، الكل هنا يدافع بكل ما لديه من قوة، لوضع حد لمعاناة السنوات الخمس الماضية، ومؤكدين على أنه لا رجوع للوراء. كما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بتعليقات المواطنين اليونانيين الذين يؤيدون الحكومة في كل ما تقوم به لإعادة الكرامة للشعب اليوناني والديمقراطية والاستقلال للدولة اليونانية، التي يرون أنها تعرضت للمهانة والإذلال خلال الفترة الماضية من قبل الدائنين. في غضون ذلك، بدا الموقف الألماني من أزمة ديون اليونان السيادية وطلب أثينا إلغاء جزء من هذه الديون أو مقايضتها بسندات، ثابتا ولا تراجع فيه، حيث قال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اليوناني يانيس فاروفاكيس في برلين أمس: «لا يوجد اتفاق، ولكن من واجبنا إيجاد حل مشترك»، فيما تحدث فاروفاكيس عن أن ألمانيا هي الدولة الوحيدة في اليورو التي يمكنها تفهم الأزمة اليونانية وعليها الرضوخ لطلبات الناخبين اليونانيين. وقال الوزير الألماني: «في هذه المرحلة لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله في اليونان» مشيرا إلى معاناة الشعب اليوناني وظروفه الصعبة، ولكن الاتفاقيات يجب أن تبقى وأيضا لا بد من احترام الناخبين في البلدان الأخرى. من جانبه، بدا الوزير اليوناني فاروفاكيس صارما في كل تصريحاته مع نظيره الألماني، موضحا أنهما اتفقا على مواصلة المفاوضات، وأنه لم تتم مناقشة الديون السيادية وسداد الأقساط والفوائد، وأثينا تريد تضامن الشركاء الأوروبيين لأن ذلك في مصلحة اليورو، وأن حكومته تريد أن تضع كل شيء في الطريق الصحيح، وتسعى إلى حل جذري عادل، وأن أثينا تريد بعض الوقت لطرح أجندتها وبرنامجها الرسمي. مؤكدا على أن كلمة «إفلاس» التي تتردد بين الحين والآخر حول اليونان، ليست موجودة في القاموس اليوناني. ووفقا لرئيس مجموعة اليورو يورين ديسلبلوم، فمن المقرر أن يعقد وزراء مالية منطقة اليورو اجتماعا استثنائيا لمناقشة الملف اليوناني في 11 فبراير (شباط) في بروكسل، حيث انطلقت تكهنات عديدة في الأيام الماضية حول هذا الاجتماع الذي يعقد مع انتهاء مهلة برنامج المساعدة لليونان في نهاية فبراير وضرورة إيجاد حل لتجنب إفلاس البلاد وحصول حالة هلع في الأسواق. وقال دبلوماسي أوروبي إن «تنظيم اجتماع حول اليونان عشية قمة ليس فكرة جيدة»، مشيرا إلى مخاطر تفاقم الوضع «إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق». وسوف يكون هذا هو الاجتماع الأول الذي يحضره وزير المال اليوناني يانيس فاروفاكيس الذي أنهى أمس جولة أوروبية والتقى عددا من نظرائه الأوروبيين. وفي اليونان، علقت الصحف اليونانية على الأحداث الأخيرة، والضغوط التي يفرضها الدائنون لليونان على أثينا، وكتبت صحيفة «كاثيميريني» أن وزير المالية اليونانية يانيس فاروفاكيس يعتزم خلال الاجتماع المقبل لمجموعة اليورو تقديم خارطة طريق حول رؤية بلاده للخروج من سياسة التقشف وبرنامج الإنقاذ، معربا عن اعتقاده بإمكانية حدوث ذلك بحلول مايو (أيار) المقبل. ونقلت الصحيفة عن وزير المالية قوله إن اليونان لا تريد المزيد من الاقتراض، لكن المزيد من الوقت للتفاوض مع منطقة اليورو للوصول إلى اتفاقيات جديدة وهو ما ترفضه برلين بشكل قاطع وتقول إنه على أثينا مواصلة تعاملها مع (الترويكا) وفق البرنامج المتفق عليه بين الجانبين سابقا. وتناولت صحيفة «تانيا» المظاهرات التي خرجت في أثينا وتيسالونيكي تأييدا للحكومة، بعد دعوة تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي للاحتجاج ضد «الابتزاز» الذي تتعرض له الحكومة اليونانية من جانب البنك المركزي الأوروبي الذي حرم مصارف البلاد من آلية رئيسية للتمويل، ورفع المتظاهرون شعارات مناوئة لألمانيا ولسياسة التقشف، معبرين عن دعمهم للحكومة في مفاوضاتها مع المانحين. وتطرقت صحف أخرى لقرار البنك المركزي الأوروبي، الأربعاء الماضي، عدم ضخ سيولة للبنوك اليونانية بضمانات سندات الخزينة، وأن القرار جاء بعد توجيه برلين تحذيرا لأثينا بضرورة امتثالها الكامل لبرنامج الإنقاذ المالي الأوروبي الذي أبرمته الحكومات السابقة، فيما ترى الحكومة الجديدة أنها انتخبت على أساس إنهاء برنامج للتقشف ولديها تفويض شعبي من أجل ذلك.