واشنطن: «الشرق الأوسط» تنكمش منذ نحو نصف قرن الطبقة الوسطى التي وصفها الرئيس أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد أخيرا بأنها أساس الاقتصاد الأميركي. في أواخر ستينات القرن الماضي، كان أكثر من نصف الأسر في الولايات المتحدة من الطبقة الوسطى بشكل مباشر، يحصلون بمعدلات اليوم على دخل يبلغ من 35 ألفا إلى 100 ألف دولار سنويا. ويؤكد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أعده ديون سيرسي وروبرت جيلوف، أنه لم يلحظ سوى القليل من الناس أن حجم هذه الفئة بدأ في الانخفاض؛ وذلك لأن سبب التحول يعود في المقام الأول إلى تسلق عدد أكبر من الأميركيين للسلم الاقتصادي ودخولهم في شرائح الأفراد من ذوي الدخل المرتفع. ولكن منذ عام 2000، تواصل انخفاض نسبة الطبقة الوسطى من حيث عدد الأسر، ويعود السبب الرئيس إلى انضمام مزيد من الأشخاص إلى الشرائح الأقل من هذه الفئة. وفي الوقت نفسه، تناقص عدد الأشخاص الموجودين في هذه الشريحة في الصورة التقليدية المتمثلة في أزواج يعولون أطفالا في المنزل، وهي فجوة شغلها كبار السن على نحو متزايد. كان الرئيس أوباما قد قال أمام الكونغرس والجمهور: «نقصد باقتصاد الطبقة المتوسطة مساعدة الأسر العاملة على أن تشعر بأنها أكثر أمنا في عالم يشهد تغيرا متواصلا». ومع ذلك، يتم تصنيف أغلب الأميركيين على أنهم من الطبقة الوسطى بغض النظر عن مستوى دخلهم، ولكن هذا المصطلح نفسه غير محدد لدرجة أن السياسيين غالبا ما يذكرون هذه الفئة عند تقديم مقترحات بهدف الحصول على مزيد من القبول. يبدأ تعريف هذه الفئة هنا من دخل يبلغ 35 ألف دولار - وهو أعلى بنحو 50 في المائة من خط الفقر الرسمي للأسر المكونة من 4 أفراد - وينتهي عند رقم مكون من 6 أرقام. ورغم أن الكثير من الأميركيين المنتمين لأسر تدر دخلا يزيد على 100 ألف دولار يعتبرون أنفسهم منتمين للطبقة الوسطى، خصوصا أولئك الذين يعيشون في مناطق باهظة مثل شمال شرقي البلاد وساحل المحيط الهادي، ولكن يوجد لديهم من المال ما يزيد كثيرا عن أغلب الأشخاص. وبغض النظر عن كيفية وضع حدود فاصلة لهذه الفئات، من الواضح أن الملايين من الأشخاص يكافحون للتمسك بأشياء يعتبرها أغلب الخبراء ضرورية لحياة الطبقة المتوسطة. من جانبها، قالت كريستين ل. أوينز، وهي المديرة التنفيذية في مشروع قانون التوظيف الوطني، وهي مجموعة أبحاث يسارية: «أميل إلى النظر للطبقة الوسطى باعتبارها مكونة من أشخاص يمكنهم الحياة بشكل مريح بما يكسبونه، فيمكنهم دفع فواتيرهم، ويمكنهم ادخار بعض الأموال لفترة التقاعد ولالتحاق أطفالهم بالجامعة، ويمكنهم الحصول على عطلات وترفيه». تعتبر ليزا لاند (49 عاما) واحدة من الذين خرجوا من هذه الشريحة، فتقول إنها تعيش على إعانات ضمان اجتماعي تبلغ قيمتها 1300 دولار تخص والدها، كما تقوم ابنتها بالعمل في محلات بقالة. تختلف ظروفها الحالية بشكل صارخ عن وضعها منذ بضع سنوات، عندما كانت تعتبر نفسها تنتمي بقوة للطبقة الوسطى. -ورغم راتبها المتواضع نسبيا، فقد كانت تفعل الكثير براتبها وغيره من الموارد في مدينة إيدن الصغيرة في ولاية نورث كارولينا، حيث ظلت تعمل لمدة 13 عاما في مجال خدمة العملاء في أحد مصانع النسيج. ولكن جرى تسريحها في عام 2008، ونظرا لمرض والديها وبسبب الركود الذي أضر باقتصاد المنطقة، فقد نقلت والدها للعناية الكاملة. وقالت: «لم يكن لدينا كثير من المال، ولكن كان لدينا كل ما نحتاجه. أما الآن، فلا يوجد لدينا أي شيء فائض؛ فلا توجد عطلات. ولا يمكننا تناول طعام خارج المنزل. لا توجد أي أشياء من هذا القبيل». حتى مع انكماش الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، فإنها تعرضت لتغيرات. تبدو الـ53 مليون أسرة الباقية داخل الطبقة الوسطى - التي تمثل نحو 43 في المائة من جميع الأسر - مختلفة إلى حد كبير عن سابقاتها من أسر الطبقة الوسطى من الجيل السابق، وفقا لتحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» وفقا لبيانات إحصائية. وبحسب تقرير «نيويورك تايمز» فخلال السنوات الأخيرة، كانت الفئة الأسرع نموا في الطبقة الوسطى الجديدة هي الأسر التي يرأسها أشخاص كبار السن تبلغ أعمارهم 65 عاما وأكثر. يتمتع كبار السن حاليا بمزايا تقاعد أفضل من الأجيال السابقة. كما أن الأميركيين الأكبر سنا يتجهون لسوق العمل بشكل متزايد بعد سن التقاعد التقليدي. كان أكثر من 8 ملايين شخص منهم، أو 19 في المائة، منضمين لسوق العمل في عام 2013، أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل في عام 2000. ونتيجة لذلك، رغم أن متوسط دخل الأسرة انخفض، في المتوسط، بنسبة 9 في المائة منذ بداية القرن، فإنه قفز بنسبة 14 في المائة بين الأسر التي يرأسها كبار السن. ويعكس الظهور المتزايد لكبار السن في الطبقة الوسطى، بشكل جزئي، أسلوب توفير برامج التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية - التي وضعت أساسا كشبكات أمان لحماية كبار السن من السقوط في براثن الفقر بعد التقاعد - لحماية كبيرة لهم خلال الأوقات الصعبة. أما بالنسبة للأزواج الذين لهم أطفال - وهم يشكلون الفئة التي تتقلص بشكل عام - فهي فئة آخذة في التناقص حتى أسرع من نسبة تناقص الطبقة الوسطى نفسها. في أواخر ستينات القرن الماضي، كان نحو 45 في المائة من جميع الأسر تضم أشخاصا بالغين متزوجين وأبناءهم. ولكن كان أكثر من 60 في المائة بين أسر الطبقة الوسطى لديهم هذا الشكل التقليدي للأسرة. حاليا، يشكل الأشخاص المتزوجون الذين لهم أطفال في المنزل ربع الأسر فقط. ولكن حتى مع انخفاض نصيبها في عدد السكان، ارتفعت هذه الأسر وصعدت السلم الاقتصادي مع دخول مزيد من النساء المتزوجات لسوق العمل برواتب. بحلول عام 2000، كان 42 في المائة منهم يحصلون على 100 ألف دولار بأرقام اليوم. تسبب الركود الأخير في وقف التقدم الذي كانت تحظى به حتى الفئات الناجحة عموما. فتراجعت حصتها في الطبقة الوسطى بمقدار 3 نقاط مئوية وزادت الحصة التي تحصل على أقل من 35 ألف دولار. الطبقة الوسطى الجديدة مع انكماش الطبقة الوسطى، تغيرت تركيبتها، حيث يشكل الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما وأكثر الشريحة الأسرع نموا. وفي الوقت نفسه، انخفضت من الطبقة الوسطى نسبة الأزواج الذين لديهم أطفال، ممن زادت دخولهم. من جانبه، قال مايكل ستريت، الباحث في معهد أميركان إنتربرايز: «خلال فترة الكساد العظيم، فقدنا الكثير من الوظائف ذات الدخل المتوسط وحصلنا على الكثير من الوظائف منخفضة الأجر. هذا الأمر يحدث الآن على نحو أبطأ، ولكن شدته زادت خلال فترة الركود، والناس يشعرون به». ظل جون داماندا (54 عاما) لأكثر من عقدين من الزمن يحصل على راتب سنوي يبلغ نحو 30 ألف دولار من خلال تقديم خدمة غسل نوافذ في أوكلاند، بولاية كاليفورنيا. كان لديه سيارة وشقة. ثم توقف الاتصال به في عام 2009؛ فلم يعد عملاؤه يتمتعون برفاهية دفع أجر لشخص مقابل غسل نوافذهم. حصل داماندا على وظيفة في «ماكدونالدز»، وهو مستمر فيها منذ ذلك الحين، ويحصل الآن على راتب يزيد بمقدار 25 سنتا عن الحد الأدنى الجديد للأجور البالغ 9 دولارات في الولاية. وهو يدفع 350 دولارا إيجارا شهريا لمشاركة شخص آخر في غرفة نوم صغيرة، وقال: «إننا نوفر ذلك بصعوبة». في هذه الأيام، وصل أغلب البالغين المنتمين للطبقة الوسطى إلى هذه المكانة الاجتماعية من خلال حصولهم على تعليم عال. حتى عام 1992، كان نصف الأسر التي تنتمي للطبقة الوسطى يرأسها شخص حاصل على تعليم ثانوي أو أقل، وفقا لتحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز». أما في الوقت الحالي، فلم يلتحق بالجامعة سوى 37 في المائة من أفراد الطبقة الوسطى. كما أن الموقع الجغرافي له تأثير كذلك؛ فقد حدثت أكبر معدلات انخفاض في الأسر التي تنتمي للطبقة الوسطى خلال نصف القرن الماضي في منطقة شمال شرقي البلاد - في ولايات مثل ماساتشوستس وكونيتيكت ونيوجيرسي - حيث حل انتشار الضواحي الجماعية وزيادة الثراء محل الاقتصاديات الصناعية. وفقا لاستطلاع أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» في شهر ديسمبر (كانون الأول)، يعتقد 60 في المائة من الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم اسم الطبقة الوسطى أنهم إذا عملوا بجد فإنهم سيصبحون أثرياء. ولكن الأدلة تشير إلى أن هذا الهدف بعيد المنال بشكل متزايد. عندما ينظر الأشخاص المنتمون للطبقة الوسطى إلى أعلى، فإنهم يرون الأثرياء يزدادون ثراء بينما هم لا يبارحون مكانهم. وفي هذا الصدد، قال لورانس كاتز، الخبير الاقتصادي التابع لجامعة هارفارد: «ظلت الطبقة الوسطى كما هي بشكل أساسي ولم تتحسن. لقد حصلت على جهاز آيفون وجهاز تلفزيون أفضل الآن، ولكن لم يتغير دخل الطبقة المتوسطة. الشيء الذي تحسن بالفعل هو الشكل وليس المضمون». ومع ذلك، هناك بعض الدلائل الأخيرة التي قد تكون مصدر أمل للطبقة الوسطى؛ فالاقتصاد يتحسن ويتم توفير مزيد من فرص العمل، كثير منها في فئات الأعلى أجرا مثل الخدمات المهنية والرعاية الصحية وحتى قطاع الصناعات التحويلية الذي يشهد انتعاشا. تتزايد آمال أشخاص مثل جيسون باباس. لقد كان باباس، الذي يبلغ 32 عاما ويتحدر من مونسي، بولاية إنديانا، يحصل على نحو 42 دولارا في الساعة من عمله حدادا في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، ولكن مشروعات البناء توقفت خلال فترة الركود، الأمر الذي جعله ينضم إلى قوائم البطالة لمدة عام ونصف. وفي النهاية حصل على وظيفة سائق شاحنة، وهو يحصل حاليا على ما يزيد قليلا عن نصف الأجر الذي كان يحصل عليه في الساعة وهو حداد، ولكنه سعيد بالحصول على وظيفة ثابتة. وقال: «أدفع به الفواتير. كما أنني أتمتع بتأمين طبي». وعلاوة على ذلك، علم باباس للتو أنه ترقى إلى وظيفة مشرف. وسيحصل قريبا، مع مقابل العمل الإضافي، على 80 ألف دولار سنويا؛ فهو متفائل كثيرا بشأن مستقبله. وقال: «العمل الجاد يؤتي ثماره».