قال الدكتور والخبير الاقتصادي السوداني الدولي د.التيجاني الطيب في دراسة تحليلية رصينة عن الاقتصاد السوداني في الوقت الراهن وما يمر به من أزمة عاصفة ومعالجات تقوم بها الحكومة مع تزايد وتيرة الغضب الشعبي والرفض للمعالجات والذي وصل إلى الخروج إلى الشارع والتظاهر السلمي الذي قوبل من قبل الأمن السوداني بالرصاص، وأوقع قتلى وجرحى وجرت اعتقالات واسعة في صفوفهم، وأشار دكتور التيجاني في تحليله الذي نورده هنا بإيجاز إلى أن هناك خطأ ارتكب من قبل حكومة البشير يمكن أن يطلق عليه باطمئنان «خطأ التوقيت وعكس الخيارات»، وقال في دراسته التي نشرها عبر «موقع الراكوبة»: إن مدخلنا هو التسليم بأن دعم الأسعار المعمم أو الشامل، خاصة للغذاء والمحروقات، أمر مألوف في الاقتصادات النامية والناشئة، ومن ثم فإن الاقتصاد السوداني ليس استثناءً في هذا الجانب، فجاذبية الدعم لحكومات هذه الاقتصادات تنبع من سهولة إدارتها، رغم أنه يخلق تشوهات هيكلية تتمثل في تشجيع الاستهلاك بدلاً من الإنتاج، وعدم الوصول بفعالية إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة المستهدفة، والحكومات تلجأ لهذا النوع من الدعم لتخفيف حدة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للسلع كإجراء مؤقت بهدف استبداله لاحقا بآليات أكثر فعالية في توظيف الدعم، لذلك لجأت أكثر من ستين دولة (مثل المكسيك، إندونيسيا، الأردن، وإيران) في العقدين الماضيين لإقامة شبكات أمان اجتماعي تعتمد علي التحويلات النقدية المشروطة ووسائل أخرى (مثل رفع معدلات الاستثمار في الاقتصاد الكلي) لدعم مداخيل الطبقات الاجتماعية الفقيرة الأكثر تضررًا من إزالة الدعم الشامل، ما يعني الانتقال من دعم الاستهلاك إلى دعم الإنتاج. الدعم يذهب إلى الأغنياء وبين التيجاني أن التكلفة المالية للدعم الشامل تزاحم الصرف العام ذو الأسبقية القصوي وتقود بالتالي إلى إعاقة التوسع في الإنفاق التنموي علي البني التحتية كالصحة والتعليم، وتحد من قدرة الموازنة العامة على تنفيذ برامج أمان اجتماعي فعالة لحماية الفقراء. والجزء الأكبر من فوائد الدعم الشامل يذهب للأسر ميسورة الحال، الشيء الذي يعزز من عدم المساواة الاجتماعية السائدة في المداخيل والاستهلاك، في السودان مثلًا، تشير بعض المعلومات المتوفرة أن 50% من الدعم تذهب لأغنى 20% من الأسر مقارنة مع 24% منه تذهب إلى أفقر 20% من الأسر، هذا بدوره يصعب من حماية الأسر الفقيرة وانتشالها من دائرة الفقر، كما أن دعم الأسعار لا يشجع الأسر الفقيرة علي الخروج من براثن الفقر بمجهوداتهم الخاصة، لهذا لابد أن تشترط برامج الأمان الاجتماعي على المستفيدين منها الاستثمار في رأس المال البشري (مثال: التعليم، الصحة، والتدريب المهني). وأكدت الدراسة أن دول الجوار السوداني التي لا تدعم الأسعار كلية أو بقدر قليل، قد تكون المستفيد الأكبر من دعم الأسعار المحلية عن طريق التهريب عبر الحدود، ما قد يتسبب في خلق أزمات عرض داخليًا، سوق أسود نشط، وأوكار للفساد المالي والإداري. وهذا ما يحدث الآن في السودان، رغم أن الفوارق الهائلة في الأسعار بين الأقاليم المختلفة، خاصة أسعار المحروقات، تقلل كثيرًا من جاذبية التهريب عبر الحدود نتيجة للصراعات المسلحة التي تدور في بعض تلك الأقاليم.