السياسات وصياغة الأهداف والمصالح، لا تعالَج بالنوايا الحسنة، ومن يفهم انحناءات الطرق السياسية، فعليه أن يضع في حسابه أن الوسيلة التي توصل للهدف هي النتيجة، وحين نقف محتارين كيف تستقبل أمريكا وفداً من الإخوان المسلمين تفتح له الأبواب، ويقيم في أفضل الفنادق ويحاور أعضاء الكونجرس ومراكز التأثير وصانعي القرار، ثم تبعث وفداً لليمن يحاور الحوثيين ليقرأ تصوراتهم عن الأدوار القادمة، ثم يصل إلى النقطة الأساسية في عقد قران قادم مع إيران، فإنه يُفهم أن هذه الدولة ليس لديها مواثيق ثابتة، فقد تجاوزت ذلك مراراً بحوارات مع المنشقين من الاتحاد السوفياتي، واحتضنت وحاربت من أجل فيتنام الجنوبية، وآوت المعارضين الكوبيين، وسجنت المعارضين منهم، وتريد الإبقاء على الأسد حتى لا يتكرر مشروع فراغ الحكم الليبي، كما تدعي، وهذا السلوك طبيعي لمن يعلم أن عالم المثل في العلاقات الدولية ليس له بند أو حكم أو قرار ملزم.. نتذكر أنه من خلف الحلفاء بالأطلسي، جرت اتفاقات وعقود مع قوى مختلفة وصفقات على حسابهم وهم شركاء المصير الواحد، وحين نفكر بأن هذا يخالف سياساتنا العربية مع الدولة العظمى، فإننا نجهل مبدأ الهيمنة الذي سارت عليه الامبراطوريات والقوى العظمى، ولذلك فإنها في سبيل هذه الهيمنة تسيّر شركاتها وبنوكها ودورتها الاقتصادية والأمنية، واحتكاراتها الكبرى كي تقف معها في حالة حرب المصالح هذه.. فخلق النزاعات حول الدولة أو المحيط المستهدف يفترض شن حرب باردة إعلامية ودعائية، وتوظيف قوى الداخل المناوئة بالتعاون معها بصرف النظر عن مبادئها وطروحاتها لتحقيق هذه المكاسب والاطاحة بخصمها، ولذلك فالفوضى العربية السائدة، ليست صناعة مجموعة قيادات إرهابية استطاعت أن تتلاعب بالأفكار وتقيم الحشود وتحصل على الأموال والأسلحة، وتطرح شعارات محاربة الكفار والشيطان الأكبر الأمريكي، ونحن نرى كيف تلتقي الأهداف معهم من خلفنا حتى إن استهداف الدول الرئيسية في المنطقة، العراق وسورية، ثم وضع الخطط لتمزيق خارطة مصر سعياً لحل جيشها وقواها الأمنية، لتبادر إسرائيل باحتلال سيناء وخلق ثلاث دول في الوسط والصعيد والشمال، ورسو حاملات الطائرات والأساطيل قرب الشواطئ المصرية في تحالف مع الإخوان زمن حكمهم للقيام بهذا الدور، كان جزءاً من الفوضى الخلاقة، واستهداف مصر سيجعل المنطقة بأسرها تحت سيناريوهات معدة سلفاً، حيث تلعب القوى الإقليمية الثلاث، إيران، وإسرائيل، وتركيا، دور الوصي على هذه التركة.. ما يحدث من إرهابيين في سيناء ومدن وأحياء مصر، هو مقدمات أو إنذارات بأن الخطط لتمزيق المنطقة قائمة، وأن حرب الاستنزاف التي تجري هناك تعد حرب إنهاك لمنع بناء دولة المؤسسات وجلب الاستثمارات، وتمكين مؤسسات الأمن الداخلي والجيش من حماية استقرار هذا البلد، ولذلك لا يوجد من يقوم بالدور الإرهابي سوى الإخوان.. صناعة الإرهاب أسهل من مقاومته، ومن يملك أدواته التنظيمية ودعمه المادي وتسخير آليات العمل من مخططي الداخل والخارج، يستطيع الهيمنة على هذه القوى، ونحن الآن أمام منظومة عجيبة حين نجد أمريكا تضع حماس منظمة إرهابية وتتحاور مع الأب الروحي لها الإخوان، وتقاتل القاعدة في اليمن وتتناغم مع إرهابيي الحوثيين، ومن يفهم مسلسل اللعبة عليه أن يدرك مخاطرها لأنها سوف تتسع لتعم المنطقة بأسرها.. لمراسلة الكاتب: yalkowaileet@alriyadh.net