في صبيحة يوم الجمعة قبل الماضي، امتدت يد المنون لتخطف من بيننا الملك، عبدالله بن عبد العزيز، أعظم ملوك العرب في الألفية الثالثة، وأكثرهم شعبية، وصاحب مشروع بنائي إصلاحي في داخل المملكة، وصاحب نظرة عربية. لم يمهله القدر ليتمم الأمانة، ولعل آخر إنجازات الملك عبدالله، في المجال العربي، المصالحة الخليجيةـ الخليجية. لقد أغمض عينيه بعد أن تأكد أن الأجواء السياسية بين إخوانه قادة مجلس التعاون أصبحت صافية، لا تعكرها سحب ولا رعود غير ممطرة. لست في مجال الحديث عن إنجازات خادم الحرمين الراحل، الملك عبد الله، فذلك مجال آخر، أرجو الله أن يعينني لتتبع إنجازاته، بعد أن تختفي العبرات وحشرجة الصوت من هول المصيبة التي ألمت بنا جميعاً، لانتقال الزعيم العربي، الملك عبد الله آل سعود، إلى مثواه الأخير. تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون. (2) وتقتضي المناسبة الإشادة بالانتقال السلس لتولي القيادة في المملكة العربية السعودية، وإشغال المناصب من دون عناء، وفي سرعة تستحق الإشادة. وأتقدم إلى الملك، سلمان بن عبد العزيز، بأحر التهاني بتوليه مقاليد السلطة والقيادة في البلاد، والتهنئة موصولة إلى الأمير، مقرن بن عبد العزيز ولى العهد، وإلى الأمير محمد بن فهد لتوليه منصب ولي ولي العهد، متمنيّاً لهم أن يرزقهم الله بالبطانة الصالحة التي تعينهم على أداء مهامهم، من أجل ازدهار المملكة واستقرارها، وسلامتها من كل مكروه. (3) لا جدال في أن التحديات أمام الملك، سلمان بن عبد العزيز، كبيرة جدّاً على كل الصعد. على المستوى العائلي، لا شك إنه ستكون هناك حوارات في داخل الأسرة الحاكمة حول المناصب القيادية، وما يترتب عليها، بعد انتهاء فترة الحداد الرسمية، لكن حكمة الملك سلمان وخبرته قادرة على امتصاص كل الخلافات، وإرضاء جميع الأطراف بالإقناع، ولو أن المثل العربي يقول رضا الناس غاية لا تدرك. لكن، المعروف عن سلوك الأسرة الحاكمة في السعودية أن خلافاتهم لا تظهر على السطح، وأنهم قادرون على إخفاء سرائرهم، لكنهم يعملون جميعاً من أجل حماية الدولة وأمنها وسلامتها واستقرارها، وذلك أمر يحمد لهم. أما الجانب الآخر من الشأن الداخلي، فإن التركة التي خلفها الملك عبدالله ثقيلة بإنجازاتها، فالانفتاح السياسي وإعطاء دور للمرأة السعودية، والتوسع في البنية التحتية على الرغم من تراجع أسعار النفط، أمور تتطلب البناء عليها، وستواجه الإدارة السعودية الجديدة مسألة البطالة بين الشباب، والمطالبة باستمرار الإصلاحات التي بدأها الملك الراحل، ولا بد لتلك الإدارة من الإسراع في امتصاص تلك العوامل التي أتينا عليها وغير ذلك من الأمور. (4) الملفات التي بين يدي الملك سلمان كثيرة ومتعددة، أذكر منها الملف اليمني، فمع دخول الملك سلمان مكتبه ملكاً للمملكة العربية السعودية، يجد اليمن بدون رئيس للدولة، بعد استقالة رئيس الجمهورية اليمنية من منصبه، وكذلك استقالة الحكومة لتصاعد الخلافات وهيمنة الحوثيين على مقاليد الأمور، فقد أصبح اليمن، اليوم، في مهب الريح. كل المعلومات حول الشأن اليمني تشير إلى أن لإيران دوراً فيما يجري في اليمن، الأمر الذي سيخل بأمن وسلامة واستقرار المملكة ودول الخليج، وكذلك الدول العربية المشاطئة لمياه البحر الأحمر. المسألة السورية لا شك أنها تمثل قلقاً للإدارة السعودية، لأنها مؤثرة على الساحة الأردنية المجاورة مباشرة للسعودية، وكذلك مؤثرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان التي توليه المملكة أهمية خاصة. ولا جدال في أن العراق، في ظل إدارة حزب الدعوة وتسلط المليشيات الطائفية على العراق، بعون ومدد وتوجيه إيراني، لا ينكره الإيرانيون أنفسهم، يشكل خطورة على أمن المملكة، ودولة الكويت خصوصاً ومجلس التعاون عموماً، فلقد اكتمل الطوق الإيراني على دول مجلس التعاون، بعد أحداث اليمن. ومملكة البحرين من هموم القيادة السعودية، ولا يمكن تجاهل ما يجري في البحرين، والرأي عندي أن تقوم الإدارة السعودية الجديدة برأب الصدع بين القيادة السياسية في البحرين والمعارضة على أسس سياسية، لا أمنية. يجب عدم الانتظار، حتى تتأزم الأمور في البحرين، وتصبح عملية رأب الصدع مستحيلة. إن أي خلل يجري في البحرين، لا بد أن تكون له انعكاسات على الأوضاع في المنطقة الشرقية من المملكة، وعلى ذلك، لابد من الإسراع في إيجاد حلول لتلك المشكلة السهلة الصعبة. آخر القول: وفق الله الملك، سلمان بن عبد العزيز، وفريق العمل الذي عينه لخير الأمة العربية والإسلامية، ورزقه البطانة الصالحة التي تعينه على أداء المهمة، والله ولي التوفيق.