×
محافظة المنطقة الشرقية

مدينة الملك فهد الطبية تؤكد :الطوارئ مفتوحة وسير العمل طبيعي

صورة الخبر

د. محمد عبد الستار البدري إذا كانت الصين اليوم تعد من أقطاب السياسة الدولية بنسبة نمو تتخطى الأغلبية العظمي من الدول، فإن بداية مفهوم هذه الدولة لم تتأت إلا في عام 221 قبل الميلاد على أيدي الملك «ينغ زينغ»، والذي يمثل نموذجا للتناقض التاريخي بين الملك العظيم من ناحية والزعيم المتوحش من ناحية أخرى، فلقد كان الرجل رمزا سياسيا عظيما استطاع أن يوحد الصين تحت إمرته لأول مرة في تاريخها، ويجعل من الأقاليم السبعة التي كانت تكونها كيانا مستقلا قويا يخشاه العالم من حوله، بلغة مكتوبة معممة وعملة موحدة وثقافة متقاربة، ولكن شأنه شأن الكثير من صانعي الدول والإمبراطوريات، فإن أساليبه كانت بكل المقاييس قاسية وغير إنسانية، وكان الثمن مئات الآلاف من الصينيين في سلسلة من الحروب الممتدة والحكم الأوتوقراطي العنيف الذي بلغ بصاحبه إلى حد البحث عن الخلود، وإذا كان هذا الملك العظيم قد استطاع أن يقهر أعداءه فإنه فشل في كل ما فشل فيه بعض الملوك الذين سبقوه أو لحقوه على مستوى العالم، فالرجل لم يستطع الانتصار على الموت حتى من خلال منظومة المنجمين والروحانيين. لقد كانت الصين خلال الفترة من القرن الخامس إلى الثالث قبل الميلاد مقسمة إلى سبع ولايات أو إمارات، يقود كل واحدة منها ملكها، وكانت هذه الإمارات ترزح تحت نظام إقطاعي متصلب حيث كانت هذه الإقطاعيات تمثل أساس نظام الحكم فيها، وتوفر للملك أو قائد الإمارة الجيوش المناسبة لحروبه وتقدم له الضرائب، وكان المزارع البسيط هو الضحية الأساسية، وقد كانت هذه الدويلات أو الإمارات تمثل في واقع الأمر نموذجا عظيما لباحثي العلاقات الدولة لتجسيد مفهوم توازن القوى في العلاقات الدولية، وقد استخدم كثير من العلماء هذه الفترة لدراسة كيفية الحفاظ على الكيانات المنفصلة والمستقلة من خلال آلية توازن القوى، بحيث لا يسمح لأي دولة بأن يتراكم لديها من القوة ما يفوق قدرة الدويلات الأخرى مجتمعة بما يسمح لها بالسيطرة عليها وتوحيدها تحت إمرتها، وهو ما دفع هذه الدويلات للدخول في سلسلة من التحالفات المتقلبة لضمان هذا النوع من التوازن في إطار سياسة أن عدو اليوم هو حليف الغد أمام الدويلة التي يمكن أن تهيمن على النظام. وتشير المصادر التاريخية إلى أن أقوى هذه الدويلات كانت إمارة «كين» في أقصى الغرب الصيني، وتتبعها في القوة إمارتا «تشو» و«هان»، لكنها لم تستطع أبدا أن تبسط سيطرتها على الباقي، ولكن بداية هذا المشوار التاريخي الكبير كانت بمولد الأمير «زينغ» الذي آل له الحكم في 238 قبل الميلاد وعمره يناهز الرابعة عشرة، وعلى الرغم من نعومة أظافره وخبرته المحدودة، فإنه استطاع أن يتغلب على العديد من المشكلات المرتبطة بصغر سنه وبمؤامرات القصر، خاصة من قبل أمه التي فرضت عليه أحد عشاقها وصيا على العرش، لكنها لم تكن على دراية بأن الابن لن يكون الدمية السياسية التي كانت ترغب فيها، فسرعان ما بدأ الملك الشاب يتعلم الكثير في إدارة البلاد، وساعده في ذلك أحد المتسلقين المرتزقة وهو «لي سوو» الذي كان له أكبر الأثر في تكوينه السياسي وزرع نزعة الأوتوقراطية والعنف والطاعة العمياء من قبل الرعية بداخله، فكان من أقواله المأثورة «تمكن من القوت والخوف يدين لك الفأر»، وكان المقصود بالفأر هنا الرعية وقياداتها على حد سواء. وبمجرد أن بدأ هذا الملك الشاب في السيطرة على مقاليد الأمور، بدأ يهتم بجيش «كين» ويدفع نحو تطويره لخدمة أهدافه التوسعية، فقد بدأ ينظم الجيش بشكل أكثر حداثة وبدأ يُدخل عليه التطوير خاصة على تسليحه، فقد استطاع من خلال صُناعه المهرة أن يصنع تركيبة من الأسلحة المُصنعة من النحاس والحديد منحت جيشه ميزة نسبية مقارنة بالجيوش الأخرى، كما أنه طور التسليح من خلال إطالة الحربة والسيف على حد سواء، كما غير من التشكيلات المحاربة للمزج بين المشاة والرماة والتطوير التكتيكي لحركة الفرسان والعربات المقاتلة، وهو ما كفل له مزايا نسبية أتت بثمارها على المدى القريب. وتشير المصادر التاريخية إلى أنه استطاع أن يضع هيكلا قياديا منظما وجيدا لهذا الجيش بما سمح له بالسيطرة الكاملة عليه وعلى قياداته المختلفة بشكل يضمن له ولاءهم الكامل. ولكن غالبا في مثل هذه الظروف فإن العدو الحقيقي الذي يواجه الملك ليس بالضرورة العدو الخارجي والتوازنات التكتيكية مع الإمارات الست الأخرى، ولكن العدو الحقيقي كان مصدره القصر ذاته، والملك الشاب لم يكن مُحصنا ضد هذه المؤامرات، خاصة أن مصدرها كان أمه وعشيقها، فلقد تطورت علاقة وثيقة بين أمه وأحد رجال البلاط والذي كان من المفترض أنه كان من «الخصيان»، أثمرت عن طفلين من الذكور أصبحا يمثلان بالنسبة للملك الشاب تهديدا مباشرا رغم محاولات أمه العديدة لإخفائهما، وقد تطور الأمر إلى حد قيام عشيق أمه بمحاولة انقلاب داخل القصر، لكن الملك «زينغ» علم بالأمر وسمح لعدوه بدخول القصر برجاله فانقض عليهم بجيوشه وأبادهم، ثم قام بالإشراف على مقتل قائد الانقلاب وأمر بقتل أخويه من أمه ونكل بأسرة كل من شاركوا في الانقلاب، ووضع أمه في حجمها الطبيعي، وهي القصة التي تعيد إلى الأذهان كثيرا من محاولات الانقلاب داخل القصر وعلى رأسها «الخيزران» والدة الخليفة العباسي الهادي عندما حاول تقليم أظافرها السياسية في قصره. وقد استغل الملك الفرصة للتخلص من رئيس وزرائه وعين بدلا منه مستشاره «لي سوو»، وبهذا استقر له الملك والسلطان. وعلى الرغم من المشاكل الداخلية التي كان يعج بها القصر، فإن الملك الشاب بدأ فتوحاته المختلفة خلال فترة وجيزة حتى مع هذه القلاقل الداخلية، فلقد وجه جهده نحو ولاية «زهاو» الشمالية من خلال سلسلة من الحملات العسكرية لإخضاعها في مطلع ثلاثينات القرن الثالث قبل الميلاد، لكنها كانت حملات غير حاسمة بسبب قوة هذه الإمارة وقدرتها العسكرية الكبيرة، لكنه أدرك أنه استطاع أن يهزها بما يكفي ويستولي على الكثير من أراضيها بحيث أصبحت لا تمثل له تهديدا مباشرا، وهنا قرر توجيه جهده الحربي نحو ولاية «هان» في الغرب والتي كانت من أكثر الولايات تماسا معه، ولم تصمد هذه الولاية أمام جيوشه القوية والتي كانت أكثر استعدادا مقارنة بغيرها، لكنه استطاع أن يضمها بقوة ويخلق كيانا أقوى بدأ يمهد له الطريق أمام الاستيلاء على باقي الإمارات كما سنرى.