لا جدوى من استنكار قطع إرهابيي «داعش» رأسَي رهينتين يابانيين أحدهما صحافي ذهب إلى عقر دارهم إيماناً منه بأن ثمة وجهة نظر مقابلة يتعيّن نقلها. لقد «سبق السيف العذل»، وهو السيف ذاته الذي لا يعفي رقاب سكان المنطقة متى تمكّن منهم. كان من بين الأخبار التي تستحق التوقف عندها الأسبوع الماضي، ما تناقلته صحف تركية عن تقدم نائب عن «حزب الشعب الجمهوري» المعارض باستجواب رسمي لوزير الداخلية التركي أفكان آلاء، حول صحة مزاعم بتلقي أربعة قياديين في «داعش»، علاجاً في مستشفى خاص في إسطنبول. ومن مدعاة الاهتمام أكثر، إشارة النائب إيلهان جيهان آر إلى أن الأربعة «أصيبوا باشتباكات في ليبيا»، مورداً أسماءهم، متسائلاً بأسلوب لا يخلو من التهكم، عما إذا كانت الدولة على علم بوجودهم، وما إذا كانت «السياسة الصحية لحكومة حزب العدالة والتنمية تتضمن علاج إرهابيي داعش»! قد لا يتجاوز هذا الكلام بالنسبة إلى الأتراك، إطار المماحكات السياسية، إلا أنه من منظور آخر، يترافق مع تبنّي «داعش» مسؤولية هجوم انتحاري على فندق فخم في طرابلس، أسفر عن سقوط 9 قتلى بينهم أميركي وأربعة أجانب آخرين، ونعي التنظيم انتحاريَين، تونسياً وسودانياً، شاركا في الاعتداء، من دون إشارته إلى شركائهما الليبيين، من بين منفّذي الهجوم الذين بلغ عددهم خمسة. وتشير أنباء في ليبيا إلى انتشار متزايد لمقاتلي «داعش» في مناطق صحراوية وبينهم أعداد كبيرة من الأجانب، وأيضاً الحديث عن تحركات للتنظيم قرب الحدود الليبية - الجزائرية. وليس الكلام بجديد عن تلقي مقاتلين لـ «داعش» قادمين من سورية أو العراق العلاج في تركيا، وسبق لوزير الداخلية التركي أن ردّ على تقارير عن تلقّي «مئات» الجرحى من المتطرّفين العلاج في مستشفيات بلاده، بقوله إن سلطاتها لا تستطيع التمييز بين المصابين القادمين من سورية وإلى أي جهة يتبعون. وهو قد يختار الأسلوب ذاته للرد على مساءلة النائب المعارض. لكن الأمر في كل الحالات يستدعي وقفة للتساؤل عما إذا كان التنظيم الذي نجح حتى الآن في ضرب الثورة السورية في مقتل وتشويه صورتها وطبعها بطابع سفك الدماء، والذي لم يعفِ من ذلك السوريين ولا العراقيين ووصلت ممارساته إلى حيث وجد تكفيريين منقادين وراءه لمبايعته، قادراً بوسيلة أو أخرى على إيجاد مأوى لجرحاه ومكاناً لنقاهتهم، في دولة يفترض أنها تحكم السيطرة على أراضيها. وإذا كانت رغبة أنقرة «الجامحة» في إطاحة النظام السوري «بأي ثمن» قد دفعتها إلى غض النظر أو التستر على تنقّلات مقاتلي «داعش» (لئلا يقال تشجيعهم ودعمهم)، فإنه حريٌّ بالحكومة التركية أن تدرك خطورة ما يفعله أتباع ذلك التنظيم الإرهابي في أماكن أخرى من العالم، وأيضاً مفاعيل ضبطهم بالجرم المشهود في منتجعات إسطنبول وغيرها، ما يرقى إلى إيواء جماعات لا تتوانى عن تهديد الأمن القومي، من سيناء وصولاً إلى مجاهل أفريقيا مروراً بمنطقة المغرب العربي. هذا فضلاً عن إيغال هذه الجماعة في تعريض دولة هشّة مثل ليبيا إلى التفكك ومواجهة أخطار تدخل خارجي لن يصب على الأرجح في مصلحة رعاة الإرهاب. عند هذا الحد، لا يعني العرب في شيء ما حققه أردوغان من «إنجازات» في بلاده، وجلّ ما يتوقعونه من أنقرة هو درء أخطار الإرهاب عن بلدانهم.