في مقالي "الإرهابي (2)" حدثتكم عن بعض فئات الإرهابيين الذين يكونون صيدا سهلا للمخططين للإرهاب و"طعما" أسهل لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، وكيف أنهم يتلاعبون بعواطفهم ويسيطرون على عقولهم من خلال إيهامهم "بحتمية " حصولهم على الشهادة، وانتظار الحور العين لهم على أبواب الجنان، وتخليد التاريخ ذكراهم كأبطال أعادوا للدين هيبته وأمجاده العظيمة! الفريسة السهلة بالنسبة لهؤلاء المخططين هم الشباب المهزوز داخليا، وأنا أقصد هذه الكلمة بكل ما لها من معنى، سواء المهزوز نفسيا أو ماديا أو أسريا أو وظيفيا، ولذلك لو نظرنا إلى هؤلاء الشباب الذين يغرر بهم لوجدنا أن أغلبيتهم يعاني في حياته مشكلة ما قبل أن يلتحق بصفوف الإرهاب، هذا الإرهابي قد يكون ابنك أو أخاك أو جارك أو صديقك! لذلك لا يكفي أن نحارب الإرهاب؛ بل أن نطبق تلك المهارة التي أخبرتكم عنها في مقالي السابق، والتي أثق تماما بأننا لو أجدناها كآباء وأمهات ومربين ومسؤولين لتجنبنا وقوع "ضحايا" جدد لهؤلاء المخططين للإرهاب، وهي مهارة "الاستماع والإنصات". فمتى ندرك أن كثيرا من هؤلاء الإرهابيين المغرر بهم كانوا يودون قبل أن يفجّروا أجسادهم بحزام ناسف لو أننا استمعنا لهم قبل أن يضلوا الطريق؟ الإرهابي يتم الإيقاع به من خلال خطة مدروسة وتكتيك معين و"تمهيد" طويل يعتمد على تلميع إعلامي مكثف لصورة "رؤوس الإرهاب" وإظهارهم وكأنهم زهاد مجاهدون ولربهم عابدون، أو كأنهم من التابعين أو القرون التي تليهم حيث المظهر البسيط الذي يوحي بالبُعد عن الدنيا وزخرفها. هم يطوعون قنوات التواصل الاجتماعي لفكرهم المنحرف سواء "فيسبوك ـــ تويتر ـــ واتساب ـــ يوتيوب "، فمثلا الأهازيج المعادية غالبا تكون بلحن سهل مدروس وبكلمات توحي بالجهاد والكرامة، ويتم التصوير وهم يتقلدون أسلحتهم، ويبتسمون بسعادة لتكتمل الصورة المثالية للمجاهدين أو بمعنى أصح "الفخ" الذي سيجلب لهم المزيد من "الفرائس". الإشكالية هنا أننا أحيانا نسهم من حيث لا ندري في مساعدة هؤلاء من خلال إعادة إرسال رسائلهم وتهديداتهم ومقاطعهم، بل أذكر أن أحد أناشيدهم اشتهر حتى مع الأطفال الذين كانوا يردّدونه دون أن يفقهوا المعني المخيف من ورائه، لقد أصبحت رسائلهم الموجهة باحترافية تركز على نشر فكرهم من خلال دغدغة المشاعر، وهو أمر في غاية الخطورة وعلينا أن نتنبه له جيدا! أتوقف هنا وأكمل معكم في مقالي القادم ـــ بإذن الله تعالى.