يواصل معالي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الأستاذ الدكتور علي بن عباس الحكمي حديثه عن مظاهر رمضان، والأحداث الجارية، ووحدة الأمة، مؤكدًا أن تنشئة جيل قوي جاد في حياته واجب على جميع الأمة أفرادًا وجماعاتٍ وحكوماتٍ ومؤسساتٍ، مؤكدًا أن الهرج والمرج الذي تحدّث عنه النبي صلى الله عليه وسلم قد تحقق اليوم واقعًا ملموسًا، مبينًا مظاهر الاتفاق بين المسلمين في شهر رمضان، متطرِّقًا إلى السبب الذي جعل الأمة الإسلامية تتذيل قائمة الأمم في هذا الزمان، داعيا إلى الوحدة والألفة والترابط بين المسلمين. فإلى نص الحوار في حلقته الثانية والأخيرة: كيف نجعل من رمضان وسيلة في تنشئة جيل تعوّل عليه الأمة أملاً في الرقي والبُعد عن اللعب واللهو المشاهد من معظم شباب اليوم؟ إن تنشئة جيل قوي جاد في حياته، مستفيد من معطيات عصره لخدمة دينه ثم أمته ووطنه أمر واجب على الأمة المتمثلة في أفرادها وأسرها وحكوماتها ومؤسساتها، ولهذا يجب أن يكون هناك منهج تربوي متكامل لتربية الأجيال وأن يكون له تطبيق سليم وصارم يقوم به المسؤولون عنه من آباء وأمهات في الأسر ومعلمين ومعلمات في المدارس، وأساتذة في الجامعات، ومسؤولين على مختلف الدرجات في سائر المؤسسات العامة والخاصة. ويرتكز هذا المنهج على ما قررته الشريعة الإسلامية في نصوصها الواضحة الجلية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهديه العملي في ذلك.وينبغي القيام على هذا المنهج وتطبيقه في شهر رمضان وفي غيره. ويتأكد العمل به في شهر رمضان لأن النفوس لديها القابلية لتلقي التوجيه، والأخذ بما ينفع، ولا يجوز ترك الشباب دون رعاية وتوجيه فيذهب وقتهم الثمين سدًا وبخاصة في هذا الشهر الكريم. ومن وسائل غرس القيم الفاضلة في الشباب إقامة مراكز التوعية الشبابية ثقافية، واجتماعية، وعلمية، يتعود فيها مرتادوها على احترام الوقت والاستفادة من تجارب الآخرين. ولا بأس من الترويح ببعض ما يجذب الشباب إلى هذه المراكز والتجمعات لتحبيبهم فيها، وإيجاد الحرص منهم على ارتيادها. الهرج والمرج كثرة الهرج والمرج الوارد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. هل واقع حال الأمة اليوم يشهد بذلك؟ وكيف يسلم المسلم من أذية أخيه؟ إن كثرة الهرج الوارد ذكره في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم هو من الفتن التي أخبر عنها عليه الصلاة والسلام أنها ستكون في آخر الزمان. وهي واقعة ملموسة اليوم مؤكدة لصدق نبوءته صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن وقوعها، فأنت لا تكاد تمر عليك ساعة في أيامنا هذه إلا وتسمع عن قتل هنا أو هناك وبأعداد كثيرة، وبكل أسف غالب ذلك إنما يقع في ديار المسلمين، إما من أنفسهم وإما من عدوهم.والسلامة من الوقوع في أذية المسلم لأخيه المسلم تكون بالالتزام بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحال، وهو اجتناب الشبه والدعوات الضالة المضلة، والتمسك بهديه عليه الصلاة والسلام في لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام اعتزلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. سمو الأخلاق كيف يتم تحقيق سمو الأخلاق في رمضان، والقضاء على التصرفات الخاطئة، وسوء الأخلاق التي تصدر من بعض الناس في رمضان؟ يتم عن طريق الالتزام بالمنهج التربوي الذي أشرت إليه مسبقا، فهو صالح لتعويد المسلم شابًا كان أو غيره على مراعاة القيم الفاضلة والأخلاق السامية. وهذا المنهج قد رسمه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطبقه صحابته من بعده، والسلف الصالح من بعدهم. محاسن رمضان اتفاق المسلمين في مظاهر رمضان. كيف نستغلها في تحقيق وحدة الأمة؟ من محاسن رمضان -وهي كثيرة- وحدة المسلمين في كثير من التصرفات المتعلقة بهذه العبادة (الصيام)، فهم يمسكون عن الطعام والشراب في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، ويقيمون شعائر صلواتهم النوافل (التراويح) إضافة إلى الفرائض في وقت واحد، ثم يختمون عبادتهم بصلاة العيد في وقت واحد. هذه الوحدة والاتفاق في التصرفات التي تضمنها شهر الصوم (رمضان) ينبغي أن يكون فيها دروس وعبر للمسلمين كي يتعودوا على وحدة الصف ووحدة العمل الخير، ووحدة القلوب؛ لتتراص الصفوف وتتضافر الجهود في خدمة دينهم، وأمتهم، وأوطانهم. وعلى المسلمين أفرادًا وجماعات أن يستشعروا ذلك وأن يجعلوا منه أنموذجًا لوحدة كلمتهم على الحق والهدى، وردع مَن تسوّل له نفسه النيل من دين المسلمين وثوابتهم وأوطانهم، ويجعلوه كذلك منطلقًا للتعاون على البر والتقوى، وعلى تنمية أوطانهم وجلب الخير لبلدانهم. ويبتعدوا عن أسباب الفرقة والخلاف التي أضعفتهم وجعلتهم في آخر القائمة بين الأمم. وصدق الإمام مالك رحمه الله حينما قال (لا يصلح آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به أولها) ومن قبله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- القائل: (نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).