خلال أسبوع واحد بعد توليه الحكم، قدَّم الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مواطنيه والعالم أسلوب إدارته للبلاد في المرحلة المقبلة، وطريقة تفكيره وتطلعاته، وتجهيز فريق العمل الذي سيرافقونه في هذه المرحلة، الرسالة التي حُملت من خلال 30 أمراً ملكياً كشفت بوضوح رغبته الأكيدة في أن يكون عهده مختلفاً ومميزاً وإضافة مهمة للبلاد للإنجازات المتوقعة، وهذا ليس تقصيراً في سلفه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إنما هي أسلوب إداري متبع في كل العصور، إذ يختار أي حاكم فريقه الذي يتوسم فيهم خيراً، ويحوِّلوا خطط وبرامج المسؤول إلى واقع، ويديرون دفة البلاد وفق المعطيات الحالية، وكما يقولون لكل زمان أمة ورجال، فالملك سلمان بن عبدالعزيز وفريق عمله استطاع خلال أسبوع أن يعلن لشعبة أنه قادم بقوة وبتحد وإصرار لمواصلة برامج التنمية، فجاءت أولى الخطوات إعلان تشكيل مجلس الوزراء، بإبقاء من يراهم في الوقت الراهن أنهم قادرون على المواصلة معه، وطعَّم المجلس بوزراء جدد خيلط بين التكنوقراط وأصحاب الخبرات المتنوعة في الإدارة، ودمج بين عدد محدود من الوزراء السابقين وضخ دماء جديدة؛ من أجل عمل توازن إداري وبناء جيل جديد من الوزراء تسند إليهم مسؤوليات كبيرة، فالتغييرات الوزارية حملت أسماء لها خبرة واسعة، وفي المقابل هناك فرصة للوزراء السابقين لتفاعلهم مع تطلعات الملك. كان بالإمكان للملك سلمان أن يؤجل إعلان حكومته وبقية قراراته لسياسة البلد، ويختار الأسماء المرشحة لحكومته بتريث وهدوء، إلا أنه مدرك أن العالم يتطلع إلى هذه البلاد من جوانب عدة، فاستقرارها الأمني والسياسي يعني طمأنة دول العالم ومستقبل علاقاتها، وهذا ما حدث حينما صاحب قرار إصدار المراسيم الملكية، تحسن أسعار النفط في الأسواق العالمية، وردود الأفعال العالمية وثناءها للخطوات التي بدأ بها، كما أنها أعطت إشارة إلى الداخل، أن مواصلة التنمية والرقي بالخدمات هي أولوية ضرورية في فكر الملك الجديد، وصافح الملك سلمان مواطنيه في أولى قراراته حينما أمر بصرف راتبي شهرين أساسيين لجميع موظفي الدولة السعوديين من مدنيين وعسكريين، وصرف مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي داخل السعودية وخارجها، وصرف معاش شهرين للمتقاعدين على نظام المؤسسة العامة للتقاعد ونظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. ولم يكتفِ بهذا فقط، بل أراد أن يغدق على مواطنيه بمزيد من الطمأنينة والفرح باعتماد 20 بليون ريال لتنفيذ خدمات الكهرباء والمياه لمخططات المنح؛ حرصاً من خادم الحرمين على أهمية توفير السكن للمواطنين، وإسهاماً في سرعة استفادة المواطنين من مخططات المنح في مناطق المملكة. وأمر أيضاً بدعم جميع الأندية الأدبية المسجلة رسمياً بمبلغ 10 ملايين ريال لكل نادٍ، ومثلها لكل ناد من الأندية الرياضية، و5 ملايين ريال لكل ناد من أندية الدرجة الأولى، ومليوني ريال لبقية الأندية المسجلة رسمياً. ومن منطلق إنساني أصدر عفواً عن سجناء الحق العام ويشمل العفو أيضا الإعفاء من الغرامات المالية بما لا يتجاوز 500 ألف ريال، هذا الاستهلال بين الملك وشعبه هو بالتأكيد مفرح ومبهج، وعلى رغم ما تعانيه سوق النفط من تراجع لأسعاره وتسببت في تراجع دخل البلاد وعجز في الموازنة تقدر بنحو 145 بليون ريال، مع كل هذه المعطيات أراد الملك سلمان أن يعلن بقوه رغبته في التحدي ومواجهة المتقلبات السياسية في العالم والآثار الاقتصادية، بإعلان ضخم في تشكيل وزارته، ويبدو من الوهلة للأسماء التي اختيرت، أنه يرغب في أن يلمس سريعاً تجاوب هؤلاء الوزراء مع الحاجات الضرورية. أول تلك القرارات الناجحة والجريئة إلغاؤه كل المجالس والهيئات، واقتصارها على مجلسين فقط، هما مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهذه الخطوة كما يراها المراقبون أنها حكومة مصغرة لمعالجة المشكلات والمعوقات، وأيضاً تطوير وطرح المقترحات، ولاسيما أن هذين المجلسين يضمان وزراء مختصين ومعنيين، وهو ما يسهل سرعة البت في القضايا المهمة، سواءً أكانت أمنية أم اقتصادية. القرار الملكي بدمج التعليم العالي والتربية والتعليم لقي تبايناً في الآراء لدى المتابعين، بين مؤيد ورافض، إلا أن مثل هذا القرار كان لا بد من أن تخوض السعودية تجربة مثل هذه، ولاسيما أن هناك انتقادات واسعة لعدم ملاءمة مخرجات التعليم مع بيئة العمل، فضلاً عن أنها بدأت تشكل عبئاً مالياً على حزانة الدولة، هي والتعليم العام، حيث تستحوذ على 20 في المئة من الموازنة المالية للدولة، إنما النتيجة النهائية من حصاد التعليم، ازدياد البطالة وسوء مخرجات التعليم. وفي ما يتعلق بالتعليم العام، فهي أيضاً تمثل أحد أسوأ خطط التعليم لعدم توافر كفاءات مهنية ومهيئة المناخ الملائم من تطوير التعليم ومناهجه، وكذلك العاملين فيه لقلة الخبرة التربوية. فهذا القرار سيخضع للمراقبة والمتابعة من المختصين في شأن التعليم. واعتقد بأن الوزير الجديد الدكتور عزام الدخيل أمامه مرحلة صعبة لإثبات نجاح الدمج أو الانفصال مجدداً. من أبرز ما لفت في الأوامر الملكية التي صدرت الجمعة الماضي، اختيار صحافي وإعلامي لمنصب وزير الإعلام والثقافة، وهو الدكتور عادل الطريفي، وهذا يحدث للمرة الأولى في جهاز الإعلام الحكومي، فقد مر على هذه الوزارة شخصيات تحمل رتبة لواء، وشاعر وسفير، فالوزير الجديد قادم من مدرسة الصحافة التلفزيونية والورقية، ولا يتجاوز عمره 35 عاماً، وهذه إشارة فسرها الكثيرون بأن الملك لديه الرغبة في أن يرى هذا الجهاز الإعلامي الحكومي بدماء شابة تملك عقلية ناضجة قادرة على إحداث تغيير جذري، ليس فقط في مجال التلفزيون فحسب، بل بكل منتجاتها ومجالاتها، وتواكب عصر الإعلام المتجدد والمتطور بكفاءات مهنية عالية مدربة مؤهلة، وأيضاً تسهم في تحسين بيئة الإعلام والثقافة ونقلها من المحلية إلى العالمية. لاشك أن الأسابيع المقبلة تحمل الكثير من المعطيات، فإعلان أسماء الوزراء لا ينتهي بمباركتهم فقط، إنما نريد -نحن المواطنين- أن نشعر ونلمس هذا التغيير، مع رغبة صادقة في التطوير ومعالجة المعوقات بما يكفل للجميع قضاء حاجاتهم بسهولة، وكما سمعنا بتغييرات في مواقع وزارية، ننتظر إعلان بقية الأسماء في المرافق الأخرى التي يتباهى أصحابها بمواقعهم ولا يهمهم الإنجاز. * كاتب وصحافي اقتصادي jbanoon@