في منتصف عام 2013، بدأت الولايات المتحدة في دعم مسلحين معتدلين في سوريا. وقد قدمنا لهم الدعم الكافي. ومثلما أوضح آدم إنتوس في «وول ستريت جورنال» مؤخرا، فإننا وعدنا المقاتلين بالدعم، لكننا بعد ذلك لم نبد أبدا الإرادة اللازمة للوفاء بهذا التعهد. وعليه، أمدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) المسلحين بما يتراوح بين 5 في المائة و20 في المائة فقط من الأسلحة التي طلبوها. وقد طلب أحد القادة الموثوق بهم أكثر من ألف بندقية وتلقى أقل من 36. كما حصل أحد القادة على ما يعادل 16 رصاصة شهريا للمقاتل الواحد. ورغم استيلاء المقاتلين على دبابات، فإن «سي آي إيه» رفضت توفير الوقود أو القذائف اللازمة لاستغلالها. كما طلب المقاتلون من «سي آي إيه» استغلال الفرص المؤقتة السانحة، لكن الوكالة الأميركية كانت تستغرق أحيانا أسبوعين لاتخاذ قرار. ورغم أن الولايات المتحدة أمدت المقاتلين بأموال كي يدفعوا رواتب لجنودهم، فإنها أعطتهم فقط ما يتراوح بين 100 و150 دولارا شهريا للمقاتل الواحد. في المقابل، يدفع «داعش» ضعف ذلك لمقاتليه. من جهتها، شعرت «سي آي إيه» بالفزع حيال إمكانية سقوط الأسلحة التي قدمتها في أيدي العدو، مما دفعها لفرض قيود صارمة تعجيزية على الأسلحة المعقدة. وقد اضطر القادة الموثوق بهم لتصوير استخدامهم للصواريخ المضادة للدبابات. عن ذلك، قال أحد المقاتلين أمام عدد من المشرعين الأميركيين: «نسير وعلم أميركي ضخم فوق ظهورنا، بينما لا نملك بنادق «إيه كيه 47» كافية لحماية أنفسنا. وتساءل: «لماذا أعطيتمونا أملا إذا كنتم تنوون عدم فعل شيء حيال هذا الأمر؟». ويحمل تقرير «وول ستريت جورنال» بأكمله انطباعا بأن لدى «داعش» ليس عزيمة أكبر عن واشنطن ووكالاتها الاستخباراتية فحسب، وإنما يتميز أيضا بقيادة أسرع وأكثر كفاءة. وتعد خيانة المقاتلين خلال عامي 2013 و2014 هينة مقارنة بخيانة القيم التي تحدث الآن ربما عن غير قصد، حيث يبدو أن الولايات المتحدة بدأت في التراجع عن معارضتها لبشار الأسد. الآن، بدا واضحا أن سوريا تمثل رأس الأفعى بمنطقة أصبح من المعتاد أن تتراوح الخيارات فيها بين المفزعة والمروعة. ومع ذلك، تبقى هناك سبل لتناول المشكلات القائمة بهذه المنطقة، وسبل أخرى لعدم القيام بذلك. ويتمثل السبيل نحو عدم القيام بذلك في الإفراط في الثقة بالنفس، الذي يدفع صانعي السياسات لإهدار سلطتهم الأخلاقية عبر التعهد بتدمير الأسد في شهر، ثم العمل بفاعلية نحو تدعيمه في الشهر التالي. وهذا النمط من الثقة المفرطة هو ما يؤدي لتدريج مفرط في توجيهنا الدعم للمقاتلين المعتدلين - حيث نقدم لهم دعما بما يكفي لخلق وهم أننا نفعل أمرا حقيقيا، بينما فعليا لا نوفر لهم دعما قادرا على تحقيق أي منجزات فعلية. إن منطقة الشرق الأوسط ليست رقعة شطرنج بمقدورنا السيطرة عليها.. إنها دراما ممتدة عبر أجيال ليس بإمكاننا سوى الاضطلاع بدور محدود لنا في إطارها. وليس باستطاعتنا التحقق من النهاية التي ستصل إليها هذه الدراما، وليس باستطاعتنا توجيه مسارها. إن التمسك بقيمنا يعني ببساطة دعم الأشخاص الذين يشاركوننا إياها ومعارضة من يعارضونها. ويعني كذلك توفير على الأقل بعض الدعم المالي الجدير بالاعتماد عليه للمقاتلين والنشطاء المعتدلين حتى عندما تبدو إمكانات نجاحهم ضئيلة. كما يعني أيضا تجنب الدخول في تحالفات مريبة قدر الإمكان، واستغلال حملات القصف في محاولة منع وقوع مذابح جماعية. إذا فعلنا ذلك فإننا سنتمكن حينها من تعزيز أشخاص لا نعلمهم بسبل لا يمكننا تخيلها. على المدى الطويل، سنجعل من الشرق الأوسط مكانا أفضل قليلا لظهور الاعتدال، وهذا هو النفوذ الوحيد الذي نملكه بالفعل. وعلينا ألا ننسى أن الأفكار هي المحرك الحقيقي للتاريخ. في الوقت الراهن، هناك غياب للاتساق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حيال فاعلية الحكومة؛ فبينما يعتقد الجمهوريون أن الحكومة أداة متعثرة في الداخل بينما تعد أداة مذهلة في الخارج، يرى الديمقراطيون الحكومة أداة مذهلة في الداخل، لكنها متعثرة بالخارج. وعلينا إدراك أن التزامنا الواهن بتعهداتنا يقوض موقف حلفائنا، وأن ممارستنا لألاعيب مفرطة في التحذلق تعزز موقف خصومنا ستؤتي نتائج سلبية نهاية الأمر - وتسفر عن خيانات تجعلنا نشعر بالخزي من أنفسنا. * خدمة «نيويورك تايمز»