تشهد أروقة الحكومة العراقية ومجلس النواب والمؤسسات المعنية، نقاشاً يهدف إلى إيجاد حلول للخروج من أزمة العجز المالي في الموازنة العامة التي تواجه صعوبات كثيرة، بسبب تراجع أسعار النفط عالمياً. واستلزم ذلك المطالبة بخفض النفقات واعتماد البدائل التي تعزز فرص الابتعاد عن اعتماد الاقتصاد العراقي بنحو كبير على النفط، وفي مقدمها تعزيز القطاعات الاستثمارية والانتاجية والخدمية المختلفة. ورجح مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح في تصريح إلى «الحياة»، «صدور قرارات مهمة تتضمن الدفع بالسوق العراقية وقطاعات الاستثمار نحو الانتعاش والنمو، وفي مقدمها قانون للمدن الصناعية والصناعة المختلطة، إضافة إلى قانون آخر يُعد لاستثمارات القطاع الخاص، وتكوين رابط قوي بين القطاعين العام والخاص، بهدف تفعيل نشاط السوق وإنهاء الاختراق الموجود بينهما». وأشار صالح إلى «وجود توجه اكثر فاعلية نحو اقتصاد السوق لارتباط ذلك بنشاط التنمية ووضع حد للمضاربة والاحتكار»، مؤكداً ضرورة «تنمية القطاعات السلعية وبؤر الإنتاج، خصوصاً أن الدولة تتجه بقوة نحو تفعيل قطاع الزراعة وتنشيط الصناعة التحويلية». ولفت إلى أن الزراعة في العراق قطاع خاص بنسبة 98 في المئة وليس حكومياً، لكن في المقابل تعود البنى التحتية الزراعية الأساسية من مشاريع الري والسدود وغيرها بنسبة 85 في المئه إلى الحكومة». وأعلن عن تنظيم «مؤتمر مهم في بغداد مطلع شباط (فبراير) المقبل، للبحث في الآليات الواجب اتباعها للخروج من الأزمة التي تشهدها قطاعات الاقتصاد العراقي وكيفية معالجتها». وفي ندوة نظّمها متخصصون في مجال الاقتصاد، قال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي أحمد الجلبي، أن موازنة العام الحالي «تواجه صعوبات وعلينا العمل لمعالجة الوضع الحرج الذي يمر فيه الاقتصاد». ورأى أن رواتب موظفي الدولة ومخصصاتهم «تبلغ 40 تريليون دينار (نحو 35 بليون دولار) والمتقاعدين 11 تريليون دينار، وتتراوح نفقات الأمن والدفاع بين 31 تريليون دينار و32 ترليوناً، وتعويضات شركات النفط 14 تريليوناً». وأوضح أن «مبلغ تريليون دينار المخصص للنازحين والمهجرين لا يكفي مع وجود أكثر من 495 ألف عائلة مهجرة، وهي نسب متغيرة وتزداد يومياً». وحذّر الجلبي «من ظاهرة تسرب الدولار الى الخارج والذي يصل الى 600 بليون دولار»، داعياً إلى «معالجة هذه المشكلة وتحديد عمليات الاستيراد وفق الحاجة الفعلية وليس على أساس المضاربات وعمليات الفساد»، معتبراً أن «من غير المعقول استيراد 50 مليون «قميص» من الصين واستيراد أجهزة كهربائية ببلايين الدولارات، فضلاً عن وجود تضخم كبير في أعداد موظفي الدولة». وفي إطار الدعوة الى تفعيل دور قطاع المصارف لتجاوز الازمة الاقتصادية الحالية، أكد رئيس «مصرف الشمال للتمويل والاستثمار» نوزاد داود فتاح الجاف، ضرورة أن «ينصب العمل على تأمين البيئة المالية والاقتصادية الجديدة للاستثمار والأداء الاقتصادي السليم». وأوضح أن «طبيعة التحديات التي يواجهها الاقتصاد تكمن في عدم فهم طبيعة أداء قطاع المال والأعمال، إذ تستلزم وجود التخطيط الاستراتيجي ورؤية شاملة لمتطلبات المرحلة الراهنة». وكشف الجاف عن «أفكار تدرسها المصارف العراقية وتراها مناسبة وأساسية في مجال تمويل المشاريع التنموية، وكذلك دعمها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة فضلاً عن استقطاب رؤوس الأموال وتوظيفها في مشاريع تخدم أهداف مكافحة البطالة». وذكّر بتجربة «مصرف الشمال» في تقديم الخدمة المصرفية لدعم مشاريع التنمية. وحضّ على «وضع آليات سريعة لتفعيل البرنامج الحكومي خصوصاً ما يتعلق منها بتشجيع التحول إلى القطاع الخاص ودعم المسارات العامة لتنمية القطاع المصرفي تحديداً، وهو الهدف الذي نسعى إليه لإرساء دعائم إصلاح المصارف العراقية وتطويرها، كي تؤدي دورها في التنمية والاستثمار». وشدد على أن «من شأن مثل هذه التدابير المساهمة في وضع المعالجات المطلوبة لأزمات الاقتصاد».