×
محافظة المنطقة الشرقية

مقدمة 1-ايقاف حكم مباراة تونس وغينيا الاستوائية ستة أشهر

صورة الخبر

من فولتير، المفكر الفيلسوف الذي لم يتورع عن الكتابة عن المسرح بين فنون أخرى، الى جان - جاك روسو، المفكر الفيلسوف وعالم التربية والاجتماع، هو الآخر، الذي كتب عن الموسيقى ووضع لها نظريات اعتبرت في زمنها فتحاً في مجالها، من المعروف أن كبار مفكري عصر التنوير، في فرنسا ثم في غير فرنسا أيضاً، كان ما يميّزهم، عودة واضحة الى تلك الموسوعية التي كانت طبعت، قبلهم بألفين من السنين وأكثر، كبار معلميهم من مفكري الزمن الإغريقي الانساني الكبير. كان من الواضح أن تنوع المعرفة والاهتمامات الموسوعية يشكل جزءاً أساسياً من بناء الفكر التنويري، بحيث انه كان يصعب وجود ميدان فني أو فكري أو أدبي أو علمي لا يطاوله التنويريون ولا يتحدثون عنه مضفين على ممارسته، في معظم الأحيان، سمات نظرية تجعل منه جزءاً من التفكير في حياة الانسان، وجوده في هذا العالم ومصيره. > وفي هذا الاطار كان من الطبيعي، مثلاً، أن نجد بين مؤلفات ديني ديدرو، الذي كان واحداً من كبار مفكري العصر التنويري، والذي كان الأكثر موسوعية في ذلك الحين، على كتب كما على نصوص قصيرة وأحياناً على فقرات سريعة، تبحث شؤون فن الرسم ونظرياته، بين مؤلفاته الكثيرة الأخرى، التي طاولت الفلسفة والأدب والمسرح والحوارات الفكرية وأدب الرسائل وأدب الرحلات، إضافة الى كتاباته الروائية والمسرحية التي لا يزال بعضها يُقرأ الى اليوم وكأنه خرج لتوه من بين يدي الكاتب متحدثاً عما يدور في أيامنا هذه. والحال ان هذا لم يكن غريباً أبداً، عن هذا المفكر الذي ارتبط باسمه واحد من أهم المشاريع الفكرية المؤسسة في تاريخ التراث الإنساني: «الموسوعة» التي يرى كثر انها كانت ذات إسهام كبير في خلق ذلك الوعي المعرفي الذي كان من الأسس التي قام عليها بناء الثورة الفرنسية. ونحن نعرف أن ديدرو الذي عيّن عام 1747 مديراً لإصدار تلك الموسوعة، واصل اشتغاله عليها حتى عام 1772، حين نشر آخر جزءين من المجموعة التي تضم اللوحات، وآخر جزء، من النصوص الموسوعية نفسها. وديدرو اشتغل أولاً على المشروع مع زميله دالمبير ثم بعد ذلك، ومنذ عام 1758، وحيداً في ادارة المشروع، يعاونه في ذلك عشرات الباحثين والكتاب المساعدين، ما وفر له خلفية معرفية مدهشة مكنته لاحقاً من وضع كتب متفردة تطاول الكثير من الفنون وضروب الإهتمامات الفكرية. ومن بين تلك الكتب، كتاب «دراسة حول الرسم» الذي صدر عام 1795 ليعتبر فتحاً في مجاله. > منذ زمن طويل قبل ذلك لم يكن ديني ديدرو يخفي اهتمامه بالفن، هو الذي أشرف طوال عقود من السنين على عشرات الفنانين الذين أنجزوا مئات من اللوحات لـ «الموسوعة»، والذي كان لا يخفي سروره حين يقوم فنان ما، من اصدقائه أو من بين المتعاونين معه، برسم «بورتريه» له... غير انه كان يفضل دائماً - انطلاقاً من ذلك - ان تتّسم الرسوم، سواء أكانت للموسوعة أو له شخصياً، بنزعة طبيعية واقعية، كان يفضلها عن أية نزعة سواها... فهو ما كان يريد أبداً للفن أن يحاكي شيئاً آخر غير الطبيعة، وما كان يريد له أبداً أن يكون غوصاً في السيكولوجية البشرية، أو في موضوعات رومنطيقية أو حتى دينية. «ليست هذه هي وظيفة الفن» كان يقول. وهو لكي يضفي بعداً نظرياً جلياً على قوله هذا، كما على تفضيلاته، وضع ذلك الكتاب الذي كان من سوء طالعه أنه لم ينشر في شكله النهائي والمستقل إلا عام 1895، أي بعد تسع سنوات من موت مؤلفه. مع ان ديدرو كان كتبه قبل ذلك بزمن... وخلال الشهور التالية على انتهاء عمله في «الموسوعة». > ليس «دراسة حول الرسم» كتاباً ضخم الحجم، غير ان ديدرو عرف كيف يكثف في صفحاته المحدودة عدداً كبيراً من الأفكار والنظريات، التي بدت في نهاية التحليل متلائمة تماماً، مع واقعية الأفكار التنويرية التي كان المطلوب ايصالها الى القراء، وطبيعيتها نفسها، ولا سيما فكرتاها الرئيستان: يجب ان يكون المكان الأول في العمل الفني للإنسان - ويجب اعتبار الطبيعة أماً للكون. غير ان واحدة من سمات هذا الكتاب الأساسية تكمن أيضاً في تقنياته. فديدرو، مثل معلم رسم حقيقي في مدرسة متخيّلة، عمد في بداية كتابه الى وضع مخطط تدريجي وتفضيلي لسلم الفنون من الرسم الى لعبة الضوء والظل، الى فكرة استخدام الألوان. ولقد كان من الواضح ان ديدرو في هذه الصفحات المعرفية والنقدية الموزعة على هذه الشاكلة، إنما كان يضفي بعداً تنظيرياً على كتاباته النقدية المتفرقة في هذا المجال الفني نفسه والتي جمعها في كتابه «الصالونات» الذي كان صدر في أجزاء متفرقة بين 1759 و1781. ولعل الجزء الأهم في هذا العرض هو ذاك الذي يتوقف فيه ديدرو عند نظرية الألوان في الرسم، إذ انه هنا يركز على فكرة رئيسة تقول ان على الألوان ان تكون طبيعية للغاية. ذلك أن الفن في نظره ليس سوى «محاكاة مباشرة للطبيعة». > وفي المقابل لا يبدو ديدرو هنا شديد الاهتمام بما كان يسمى في زمنه «سحر الرسم»... إذ، بالنسبة اليه كان من السهل على أي كان أن يتعلم كيف يكون رساماً جيداً، ويحقق - تقنياً - ما شاء من رسوم جيدة... أما التلوين فإنه، في رأيه «هبة من هبات الطبيعة». لأن التلوين هو الذي «يعطي فنانا من الفنانين طابعه الخاص، ويمكّنه من أن يدخل في تواصل مباشر مع مخيلة الجمهور». بالنسبة الى ديدرو، من المؤكد أن السمة الأساسية لعمل الفنان، بل «لمزاجه أيضاً، إنما تكمن في قدرته على التلوين وفي الأسلوب الذي يتبعه في هذا التلوين: وهنا قد يكون كافيا لنا، يقول ديدرو، ان نرصد أسلوب الفنان في نشر الوانه فوق سطح الملوّنة، وكيف يوزع الألوان هذه، من ثمة، فوق اللوحة نفسها، لكي نأخذ لأنفسنا فكرة واضحة عن قدراته الفنية وعن قوته التعبيرية في الفن». أما التناسق، بالنسبة الى ديدرو، فهو قانون التلوين الرئيس. وهناك ضروب تناسق سهلة، بسيطة، تسر النظر، لكنها في معظم الأحيان تكون متوقعة بل منتظرة بحيث لا تشكل أية مفاجأة حقيقية للناظر، فلا تكون اللوحات التي تحملها، في نهاية الأمر، سوى لوحات عادية سرعان ما تلفظها الذاكرة، حتى وإن ظلت معلقة أمام العيون. هذا النوع من التلوين، وبالتالي هذا النوع من اللوحات، هو النوع الحرفي الذي لا تكون اللوحة فيه سوى تكرار لما سبقها من لوحات. ولكن في المقابل «يمكن التعرف على الفنان الخلاق والعبقري من خلال ريشته «المندفعة»، التي تبحث وتبحث من دون هوادة عن التلوين الحقيقي المدهش وغير المتوقع، مع انه يبدو طالعا مباشرة من صلب الطبيعة». ان الفنان الذي يعنيه ديدرو هنا انما هو ذاك الذي «من دون كلل أو ملل يخلق ضروب التناسق الأكثر جدة والأكثر صعوبة، لاعباً في معظم الأحيان على ضروب تناقض شديدة الجرأة». > لقد صاغ ديني ديدرو (1713 - 1784) نصوص هذا الكتاب المكثف، في شكل حيوي وملون، كما حال الكلام المحكي بين أصدقاء يتناقشون... وهذا ما أضفى على هذا النص، في رأي مؤرخي حياة ديدرو وعمله تلك «الحرارة التي لا تضاهى» والتي «تتسم بها عادة كل أنواع السجالات الصاخبة»، ما جعل الكتاب يبدو، في نهاية الأمر معبّرا عن أرقى ما كانت نظريات الفن توصلت اليه خلال القرن الثامن عشر الفرنسي. ونعرف ان ديني ديدرو كان واحداً من كبار مفكري ذلك العصر، بحياته المكرسة كلياً للفكر والعلم، وقدرته الهائلة على الاستفزاز، وبخاصة انطلاقاً من مضمون بعض كتبه التي حرمتها الكنيسة، وظل القرن العشرون الفرنسي الواعي، الى فترة قريبة جداً، غير قادر على تحملها. وقد كتب ديدرو كثيراً، وفي مجالات عدة، خارج اطار عمله الموسوعي والفلسفي الكبير.