استأنف المغرب وفرنسا تعاونهما القضائي، أمس، بعد أن ظل معلقا لمدة عام، وذلك على إثر أزمة دبلوماسية حدثت بين البلدين، نتيجة حوادث مسيئة تعرض لها مسؤولون مغاربة كبار في باريس. واتخذ قرار استئناف التعاون القضائي ما بين البلدين، وكذا تعديل الاتفاقية المبرمة في هذا المجال بعد المباحثات التي جرت في باريس بين مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي، ونظيرته الفرنسية كريستيان توبيرا، أول من أمس، بباريس. وأوضح بيان مشترك صدر، أمس، أن هذا التعديل، الذي يكتسي أهمية بالغة، يأتي ليتوج مباحثات تم الشروع فيها منذ عدة أشهر من قبل حكومتي البلدين، جرى التوقيع عليه بالأحرف الأولى، أمس، من قبل وزير العدل المغربي، ووزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا. وأضاف المصدر ذاته أن «وفدي البلدين برئاسة الوزيرين بحثا خلال جلسات العمل الصعوبات التي أدت إلى تعليق التعاون القضائي بين فرنسا والمغرب»، مشيرا إلى أن «المباحثات طبعتها روح بناءة جدا وجو من الثقة، وسارت على هدي التوجيهات الواضحة لقائدي البلدين الملك محمد السادس، والرئيس فرنسوا هولاند من أجل وضع حد لهذه الوضعية، والعمل من أجل الحفاظ على الشراكة الاستثنائية التي تميز العلاقات بين البلدين». وأشار البيان إلى أن الوزيرين توصلا إلى اتفاق حول نص يعدل اتفاقية التعاون القضائي بين فرنسا والمغرب، ويتيح تسهيل دائم لتعاون أكثر نجاعة بين السلطتين القضائيتين بالبلدين، وتعزيز تبادل المعلومات في إطار الاحترام التام لتشريعاتهما ومؤسساتهما القضائية، والتزاماتهما الدولية. وخلص البيان إلى أن الوزيرين عبرا عن ارتياحهما للتوصل إلى هذه النتيجة، وقررا الاستئناف الفوري للتعاون القضائي والقانوني بين فرنسا والمغرب، وعودة قضاة الاتصال. وأجرى الرميد أيضا مباحثات مع رئيسي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ الفرنسيين، كلود بارتلون، وجيرار لارشي، حضرهما شكيب بنموسى سفير المغرب في باريس. وكانت الحكومة المغربية قد علقت العمل باتفاق التعاون القضائي في 27 فبراير (شباط) من العام الماضي احتجاجا على ما اعتبرته «إساءات» للمغرب، وعدم احترام الأصول والقواعد المرعية في التعامل بين الدول. وتأتي هذه التطورات الإيجابية عقب 11 شهرا من التوتر في العلاقات بين باريس والرباط. وكانت آخر تجلياتها الإلغاء المفاجئ للزيارة الرسمية التي كان من المفترض أن يقوم بها وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار إلى باريس يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، وقبلها رفضه المشاركة في «المسيرة المليونية» التي حصلت في العاصمة الفرنسية يوم 11 يناير الماضي عقب الهجوم على صحيفة «شارلي أيبدو» والمتجر اليهودي، رغم وجوده في العاصمة الفرنسية لتقديم التعزية للرئيس هولاند. لكن يبدو أن هذه الأجواء غير المألوفة بين باريس والرباط أخذت بالانحسار، وأن البلدين اللذين يحتاجان بعضهما لبعض لقلب صفحة الخلافات، التي بينت شقوقا في علاقات تميزت دائما بالحرارة، بالنظر للعلاقات الإنسانية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تربطهما منذ عقود. وما زالت باريس تشهد معرضين متلازمين عن المغرب الوسيط، والمغرب الحديث في متحف اللوفر ومعهد العالم العربي. وفي هذا السياق، فإن معهد العالم العربي في باريس سيشهد اليوم حدثا فرنسيا - مغربيا مشتركا، يحضره رئيس الحكومة مانويل فالس ووزير الأوقاف المغربي أحمد توفيق، حيث ستمنح 3 شخصيات تمثل الأديان السماوية الثلاثة (خليل مرون، مدير مسجد مدينة أيفري عن المسلمين، ومونسنيور ميشال دوبو، أسقف إيفري عن المسيحيين، والحاخام ميشال سرفاتي عن اليهود) وسام العرش بأمر من ملك المغرب. وأمس، صدر عن وزيري العدل في البلدين بيان مسهب جاء فيه أن المناقشات التي أجرياها حصلت «بروح بناءة وفي جو من الثقة»، ويشير البيان إلى أن الاتفاق الذي وقع أمس «يشكل مساهمة إضافية للعلاقات المكثفة، القوية ومتعددة الأبعاد» بين فرنسا والمغرب. وبناء عليه، فقد قرر الوزيران العودة «الفورية» للعمل بالتعاون القضائي وإعادة إرسال القضاة المكلفين بالتواصل بينهما. وخلال الأشهر الماضية قامت باريس بجهود حثيثة من أجل إعادة الدفء إلى العلاقات التقليدية مع المغرب. ومن أجل ذلك، عمدت الحكومة الفرنسية مباشرة وبالواسطة إلى إرسال مجموعة من الإشارات باتجاه الرباط، تعبر فيها عن رغبتها في قلب صفحة الخلافات وتوضيح الأمور.