ياسر حيدر - كاتب وصحفي لبناني لا شيءَ منطقياً قد يبدو منطقياً في الوطن العربي الكبير إلا اللحظات العفوية فورَ وفاة حاكم! «عبدالله بن عبدالعزيز في ذمة الله» عبارة بسيطة مقتضبة أو عنوانٌ كافٍ على الشاشات السعودية، أو التي تدين بالمحبة والولاء، لتأتي شهادات الرحمة والحزن والثناء على ألسنة الإعلاميين والوسائل الإعلامية، وفي عيون الناس كما يستنبطها قائلوها!. غالباً ما تفيض القريحة الشعبية العربية تحبّباً أو استحساناً فتوصّف شاعراً تألّقَ في قصيدةٍ بـ «الملك»، فبماذا قد توصِّف تلك القريحة ملكاً حقيقياً غالباً ما تصرَّف كشعراء الصحراء اللطفاء!؟. رحلَ عبدالله بن عبدالعزيز ملك الإنسانية، حكيم العرب، خادم الحرمين الشريفين، آخر القادة الكبار، هي توصيفات الحزن الطبيعية على رجل عروبيٍّ سعودي عرفوه أميراً وقائداً ووليَ عهد في ديوانية مفتوحة وملكاً أباً ورمزاً، وصانع تحديثات تطويرية في هيكلياتٍ كانت في «زنزانات المحظورات» من قبلُ!. ليس عليك أن تدري، في تلك اللحظات المحزنة، كيفَ انهمرت شآبيب الرثاء والعزاء والثناء على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وشاشاتها مطلع العام الخامس عشر من القرن الواحد والعشرين (23 يناير2015) على مليك في زمن الربيع العربيِّ المفترض! في اللحظات الأولى، واللحظات الأولى عادةً ما تكون الأشدَّ وقعاً، قد لا تدري كيفَ ماتَ الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأعلن ذلك وليُّ العهد الملك سلمان بن عبدالعزيز ببيان الديوان الملكي السعودي- بعد حوالي 75 دقيقة، فقط!.. «عاشَ الملكُ مات الملكُ» عبارة قد تصحُّ في المملكة العربية السعودية القوية، ومركز «الثقل العربي الإسلامي والدولي» شكلاً، ولا تصحُّ دلالة على نهاية مسيرة الملك الراحل بمبايعة وصعود كاريزما الملك المقبل!. هي المملكة منظومة حكم، شديدة التعقيد، وشديدة الدقّة في آنٍ معاً، نتاج شخصية المؤسس ومزاياه في الإقدام، الشجاعة، الدرس، التمحيص، الأناة في اتخاذ القرارات المصيرية، الوصل فيما انقطع، والشدّة في القطع مع خائن ما ارتَدَع، وتائبٍ ما برَّ، إلى قضاء الحوائج، أو قضاء السياسة بالكتمان، بسط ذات اليد، المروءة، الكرم، الحكمة، والعلاقات المباشرة بالفقراء وذوي الحاجة والقبائل!. هكذا هي تفاصيل يوميات «سلطان نجد» أو الملك السعودي الكبير عبدالعزيز، قد تستطيع أن تقرأها من مشاهدات فيلسوف الفريكة اللبناني أمين الريحاني، أو من كتابات مجموعة من المثقفين والرواة السعوديين والعرب «عبدالله بن أحمد العجيري، عبدالرحمن الرويشد، محمد بن عثيمين، إبراهيم بن معمر، يوسف ياسين، رشد ملحس، خالد الحكيم، فؤاد بك حمزة، خالد القرقني، رشيد عالي الكيلاني، محمد أسد، وغيرهم»، أو من مساعديه ومعاصريه والعرب القادمين من دول أخرى «استظلوا بعباءته»!. تتغير الوسيلة، ولا تنجرف الغاية، فلا مكيافيليَّة تشرئبُّ في الثوابت، ولا استخدامات لكتاب «الأمير» بمفهومه الجدلي السلبي!، لا حبكة روائية، لا تصنُّعَ ولا تكلُّف بارزَين في مأسسة الرسالة، نظام الحكم، الموروثات والتفاعل ما بين العاهل وأركانه وأعوانه والمواطن أو بين ملك ورعاياه!. البيتُ السعودي بيت خليجي عربي إسلاميّ، بيت إنسانيّ وبيتٌ دوليّ، عملية كيميائية الشبه أن تُودِّعَ المملكةُ الملكَ عبدالله بن عبدالعزيز ملكاً محبوباً على إيقاع «انتقالٍ سلسٍ سريع» بتسلُّم الملك سلمان بن عبدالعزيز، ليست مسألةً تفتقد عاطفة الوداع وقد يُحكم لها لا عليها مقارنةً بـ «صورة الحكم القوي» في اتخاذ القرارات المصيرية الشجاعة بعاطفة العقل!. في المنعطفات المصيرية، لا «صافرات صفراء» بل لعلها قرارات «ساعة الصفر» في دولة «وازنة» تحت المجهر الدولي وارتدادات المتغيرات القاتلة!. الاستقرار الصلب «لغة إعلامية» بدا أن الملك الجديد «يتقنها» على مهلٍ وعلى عجل!. لغةُ تُقرأُ في فترة واحدة، وكأنما أُريد لها أن «تُستَجمع» ارتداداتها السلبية أو الإيجابية في «عراضة واحدة»!. في العجالة، لئن كانت القرارات تلك «لا تستهجن» في الفهم العام لـ «تلميحات توليفة أصحاب دائرة القرار القادمة في الأسرة والمملكة» (تعيين ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف)، فلا موانع أن تخترق بقرار تعيين الوزير الشاب الأمير محمد بن سلمان رئيس الديوان الملكي ووزير الدفاع توطئة لانتقال «قادم» من جيل إلى جيلٍ ثانٍ!. عرفنا عن الفقيد، العفو عن المتورطين في محاولة استهدفت حياته الشخصية، منهج التسامح والأخلاق، تشجيع ثقافة مد الجسور وحوار الحضارات والديانات، مكافحة الفقر، مشاريع ابتعاث حوالي 150 ألف طالب وطالبة للدراسة في الخارج، إشراك المرأة السعودية في الحياة السياسية السعودية وتعيين حوالي 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي، المشروع الجامعي الضخم، الإنجازات العمرانية الكبرى، وثيقة مشروع السلام العربي الإسرائيلي في 2002 من بيروت، دخول السعودية مجموعة العشرين، مشروع «هيئة البيعة»، إلى مواجهة إرهاصات الدور الإيراني المباشر في المنطقة العربية، ومواجهة مخططات تفتيت المنطقة العربية، ضغوط دفع النظام السوري والرئيس السوري بشار الأسد إلى الانسحاب من لبنان «بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري» ومواجهة مخاطر الإسلام السياسي الأصولي. ليست «محفظة إنجازات» هينة في سجل تاريخ حكم عبدالله بن عبدالعزيز على ما يرى ناشط سعودي والشعب السعودي والنخب العربية الموضوعية والدولية تحت وطأة تعقيدات المشاريع السياسية والتقسيمية و«النفوذية» الدولية المتضاربة!. في هذا المجال، لعلَّ الملك سلمان المعروف بعلاقاته الإعلامية ومتابعته تفاصيل الشؤون السعودية والعربية والدولية ذات الصلة بـ «تصدير بيان مقتضب» حول أن «الحكم السعودي استمرار لمنهجية متواصلة» أرساها الأب المؤسس، قد يصح أن ينظر إلى إطلالاته الأولى، وخصوصاً في «توريد القرارات الملكية» التي تلقفها السعوديون ومراكز القرار الاقتصادي والمالي والنفطي والدولي كـ «قرارات قانونية» وازنة من «الملك سلمان القانوني»!، إسقاطٌ ليس جائزاً مع شخصية تاريخية عثمانية هي السلطان سليمان القانوني الذي عاشر السلاطين العثمانيين، وخليفة المسلمين الثمانون، وثاني من حمل لقب «أمير المؤمنين» من بني عثمان، لكنها قد تصح في «الروحية» مع عثمانيٍّ لم يكن متوقعاً أن تبلغ الدولة الإسلامية في عهده إحدى أقوى دول العالم في تلك الحقبة!. للتاريخ مفاجآت وانعطافات غير متوقعة بدأها الملك الخبير بانتقال السلطة السلس، وأتبعها بـ «تغريدة عصرية» على التويتر في سابقة لها عشرات الدلالات لم تستطع أن تستقرئها تساؤلات صحف ومجلات عالمية!. ما تبقى ليس تفاصيل..! إنها اللغة الوازنة في المملكة الوازنة. لم تنتهِ برحيل الملك الفارس عبدلله بن عبدالعزيز واتضحت ملامحها الرصينة والعصرية بإطلالات الملك سلمان القانوني القوي!.