×
محافظة المنطقة الشرقية

مشاريع قطارات المملكة تقلل من التلوث.. وتوطين العمل في شركات النقل العام

صورة الخبر

القاهرة: عبد الستار حتيتة جمعت بين العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «علاقة مميزة في ظروف عصيبة» كما تصفها مصادر عسكرية ودبلوماسية حضرت جانبا من الاجتماعين الوحيدين اللذين عقدا بينهما بشكل مباشر في كل من مصر والمملكة العام الماضي. وروت هذه المصادر جانبا من كواليس اللقاءين اللذين جمعا الزعيمين العربيين لبحث العديد من القضايا العربية والإسلامية والدولية، إلى جانب العلاقات الثنائية بينهما. واستقبل الملك الراحل الرئيس السيسي مرتين. الأولى كانت على متن الطائرة السعودية الملكية حين حطت في مطار القاهرة الدولي في طريق عودة الملك من المغرب إلى السعودية في يوم الجمعة 20 يونيو (حزيران) العام الماضي. والمرة الثانية كانت بعد ذلك بنحو شهرين، يوم الأحد 10 أغسطس (آب)، حين توجه الرئيس السيسي إلى المملكة على رأس وفد مصري رسمي لبحث العلاقات الثنائية والتداعيات التي كانت تشهدها المنطقة بما فيها الحرب على غزة. ويقول أحد القادة العسكريين، ممن عملوا بالقرب من السيسي حين كان وزيرا للدفاع، إن قرار الجيش بالانحياز لثورة المصريين ضد الإخوان في ذلك الصيف كان قرارا محفوفا بالمخاطر، وإن أكثر ما كان يقلق السيسي أمران.. الأول يتعلق بتصرفات جماعة الإخوان التي لم تكن تتورع عن الدفع بالنساء والشباب في مواقع الخطر، للمتاجرة بما يمكن أن يحدث معهم في حال تحديهم لرغبة الشعب في إخراج الإخوان من السلطة. والأمر الثاني، وهو الأهم، موقف المجتمع الدولي وما يمكن أن يتخذه من إجراءات ضد مصر يدفع الشعب ثمنها بينما الدولة تمر بظروف مالية وأمنية صعبة. ويتابع القائد العسكري الذي كان يعمل في ذلك الوقت بالقرب من وزير الدفاع، طالبا عدم تعريفه لأنه غير مخول له التحدث للإعلام، إن موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بدا لافتا.. «في الحقيقة تفاجأنا به. لم تكن قد جرت في ذلك الوقت أي اتصالات بالمملكة يمكن التعويل عليها في استشراف المستقبل، ولم نكن نعرف أن جلالة الملك سيقف مع الشعب المصري ضد كل الدول التي انتقدت ثورة 30 يونيو، وعلى رأسها أميركا ودول أوروبية إضافة إلى تركيا. كل هؤلاء كانوا منحازين بشكل غريب ومريب إلى جماعة الإخوان ومن معهم من متطرفين كالجماعة الإسلامية». وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة بيومين، أعلن الملك عبد الله وقوفه مع إرادة الشعب المصري. ويقول القائد العسكري المشار إليه إن هذا كان «أقوى رد على منتقدي خارطة المستقبل في مصر». كما منحت المملكة مصر مليارات الدولارات لإنقاذ الشعب من الضائقة المالية التي كانت تؤثر على إمدادات الطاقة والكهرباء. وجاء في كلمة الملك عبد الله في ذلك الوقت قوله: «لقد تابعنا ببالغ الأسى ما يجري في وطننا الثاني جمهورية مصر العربية الشقيقة، من أحداث تسُر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر، وشعبها، وتؤلم في ذات الوقت كل محب حريص على ثبات ووحدة الصف المصري الذي يتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة - إن شاء الله - لضرب وحدته واستقراره، من قبل كل جاهل أو غافل أو متعمد عما يحيكه الأعداء». وكان الظرف صعبا، لكن الملك عبد الله، كما يقول المصدر العسكري، فاجأ الجميع بكلمته العلنية التي جاءت في موعدها تماما وتلقفها المصريون كطوق نجاه في بحر من الشكوك. وقال الملك في تلك الكلمة: «إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية والشرفاء من العلماء، وأهل الفكر، والوعي، والعقل، والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد، وقلب واحد، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية، والعربية، مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء. وأن لا يقفوا صامتين، غير آبهين لما يحدث، فالساكت عن الحق شيطان أخرس». وأضاف الملك في كلمته أيضا قوله في موقف محدد مخاطبا الجميع: «ليعلم العالم أجمع، أن المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، في عزمها وقوتها - إن شاء الله - وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر». وقال كذلك: «ليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية أنهم بذلك يوقدون نار الفتنة، ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته، آملا منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان فمصر الإسلام، والعروبة، والتاريخ المجيد، لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك، وأنها قادرة - بحول الله وقوته - على العبور إلى بر الأمان. يومها سيدرك هؤلاء أنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم». وضغط غالبية المصريين بقوة على السيسي لكي يترشح للرئاسة ويقود البلاد إلى الأمام. وحين فاز في الانتخابات التي جرت في منتصف العام الماضي، كان الملك عبد الله أول من بعث ببرقية تهنئة، مطالبا إياه بتحقيق آمال وطموحات وأحلام الشعب المصري. وقال «إن شعب مصر الشقيق الذي عانى في الفترة الماضية من فوضى، سمّاها البعض ممن قصر بصره على استشراف المستقبل (الفوضى الخلاقة) التي لا تعدو في حقيقة أمرها إلا أن تكون فوضى الضياع، والمصير الغامض، الذي استهدف ويستهدف مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها». وأوصى الملك عبد الله، السيسي، بأن يكون صدره رحبا وأن يتقبل الرأي الآخر، وقال في برقيته له «ليكن صدرك رحبا فسيحا لتقبل الرأي الآخر مهما كان توجهه، وفق حوار وطني مع كل فئة لم تلوث يدها بسفك دماء الأبرياء، وترهيب الآمنين، فالحوار متى ما التقى على هدف واحد نبيل، وحسنت فيه النوايا، فإن النفس لا تأنف منه ولا تكبر عليه». وبعد انتخاب السيسي بنحو أسبوعين، يذكر أحد الدبلوماسيين المصريين حين كان يعمل في القصر الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة أن مكتب الملك عبد الله أخطر الرئاسة المصرية بأن طائرته القادمة من المغرب في طريقها إلى المملكة ستحط في مطار القاهرة الدولي من أجل تهنئة السيسي بشكل مباشر، في أول لقاء يجمع بينهما. ويضيف أن السيسي بادر بالاتصال بالملك، وشكره على هذه النية المعبرة عن كل معاني الأخوة، وقال له إنه لا يريد أن يثقل عليه، لكن جلالة الملك كان مصرا على التوقف في مصر. ولهذا، وفقا للمصدر نفسه، بادرت الرئاسة المصرية بإصدار بيان يوم الجمعة 20 يونيو 2014 قالت فيه إن الرئيس السيسي «يستقبل مساء اليوم خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي سيتوقف بالقاهرة في زيارة رسمية لجمهورية مصر العربية في طريق عودته للمملكة العربية السعودية قادما من المملكة المغربية، حيث من المقرر أن تعقد جلسة مباحثات ثنائية يعقبها لقاء منفرد بين السيد الرئيس وجلالة الملك». واستمر اللقاء داخل الطائرة الملكية السعودية بين الزعيمين والوفدين الرسميين المرافقين لهما، نحو 35 دقيقة، وفقا للمصدر الدبلوماسي الذي يقول: «توجهنا مع الرئيس السيسي إلى المطار. وهناك كان الرئيس يلتفت ويتحدث مع وزير الدفاع المصري صدقي صبحي ومع المهندس إبراهيم محلب رئيس وزراء مصر، عن أهمية الزيارة. ويقول إن ما يقوم به جلالة الملك دينٌ في أعناق المصريين. هذه مواقف تاريخية، وكانت تاريخية بالفعل، وأثرت بالإيجاب على علاقة مصر مع المجتمع الدولي فيما بعد». ويضيف موضحا أن الحرس كانوا قد اتخذوا مواقعهم بالأعلام التي كانت ترفرف تحت الريح على جانبي المدخل المؤدي إلى سلم الطائرة. وبعدها صعد الرئيس السيسي إلى أعلى، وبمجرد دخوله على جلال الملك بادره بالترحاب قائلا: «أهلا أهلا فخامة الرئيس».. وهنا قام السيسي بتقبيل الملك من خديه وعلى رأسه. ثم قال له الملك: «كيف حالك؟ طيب إن شاء الله.. الله يخليك ويطول عمرك». فرد الرئيس بشكر الملك لتوقفه في مصر، وقال له: «شرفتنا.. شكرا لك». ثم أعرب الملك عبد الله عن أسفه لطبيعة اللقاء الذي جرى على متن الطائرة، لكن الرئيس السيسي بدا متفهما لهذا الأمر، وشاكرا له. أما اللقاء الثاني الذي جمع بين الزعيمين فكان يوم العاشر من أغسطس العام الماضي، بوصول الرئيس السيسي، على رأس وفد مصري، إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي بمدينة جدة ليتوجه بعد ذلك إلى قصر الملك عبد الله، حيث عقدا جلسة مباحثات موسعة ثم منفردة. وكانت الأجواء في منطقة الشرق الأوسط مشحونة بالعديد من القضايا وكان على رأسها في ذلك الوقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي كان يجري البحث لها عن مخرج لإنقاذ ألوف الفلسطينيين في القطاع. وكانت هذه أول قضية إقليمية تعود فيها مصر بقوة للعب دورها التاريخي بعد السنة المضطربة لحكم مرسي. ويقول أحد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية المصرية إن هذه الزيارة وحسن الاستقبال السعودي للرئيس السيسي، وكذا اللقاء الذي جمعه مع الملك عبد الله، أعادوا الاعتبار لمصر ومساعيها أمام العالم كوسيط لحل القضية الفلسطينية وإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار في حرب غزة، في وقت كانت فيه بعض الأطراف الإقليمية تريد أن تسحب هذا الدور من مصر. وكان السيسي مدركا لهذا الأمر.. كان بمثابة تحد، والملك عبد الله وقف معه وسانده. وجرى في جلسة المباحثات بين الزعيمين استعراض جهود التهدئة التي تبذلها مصر لحقن دماء المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني، كما تطرقا أيضا إلى الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا وانعكاساتها على مصر والسعودية والأمن القومي العربي. وفي تلك الزيارة قلد الملك عبد الله، الرئيس السيسي قلادة الملك عبد العزيز آل سعود، وهي أرفع الأوسمة في المملكة. وفي اليوم التالي أدى الرئيس السيسي صلاة الفجر ومناسك العمرة بالحرم المكي الشريف. ويقول المصدر الدبلوماسي نفسه إن الرئيس السيسي، حين علم وهو في الإمارات، بأن الملك عبد الله ما زال يتلقى العلاج، قرر، أي يوم 19 يناير (كانون الثاني) الحالي، التوجه إلى الرياض قبل العودة للقاهرة.. ومن المطار توجه إلى مدينة الملك عبد العزيز الطبية.. واطمأن على صحة خادم الحرمين الشريفين، وتمنى له دوام الصحة والعافية، وأن يحفظه الله من كل مكروه، لكن الرئيس كان يبدو عليه الشعور بالحزن العميق والقلق أيضا على صحة خادم الحرمين الشريفين. وتوفي الملك عبد الله أثناء مشاركة الرئيس السيسي في مؤتمر دافوس في سويسرا. وقال أحد مرافقيه إنه «شعر بالصدمة حين علم بالخبر»، وقرر قطع زيارته والعودة لتقديم واجب العزاء للملك سلمان بن عبد العزيز، بينما كانت مواقع التواصل الاجتماعي تحمل التعازي من المصريين الذين أعربوا فيها أيضا عن تقديرهم وشكرهم لمواقف الملك الراحل. وقال الرئيس السيسي وهو ينعى الملك عبد الله إن المملكة العربية السعودية والأمة العربية فقدت «زعيما من أبرز أبنائها»، وإن الشعب المصري لن ينسى «المواقف التاريخية للملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، تجاه مصر وشعبها، والتي كانت تنُم عن حكمة وإيمان عميق بضرورة التضامن العربي وتضافر الجهود بين أبناء الأمتين العربية والإسلامية للمساهمة في إعلاء شأنهما على المستوى الدولي».