الفنان السعودي قيثارة الشرق طلال مداح، يعد رائد الحداثة في الأغنية السعودية لما قدمه من أعمال فنية أطربت الجميع بحنجرته الذهبية وأوتار عوده الشجية. هذا الفنان الرائع لم يختلف عليه اثنان وأغانيه المتنوعة كانت ولا تزال تتردد في الآذان واختياراته الموفقة الرائعة هي خير شاهد عليه. مشواره الفني الحافل بالروائع يتحدث عنه دوماً، بل جعله في مصاف الأوائل من جيل قلما يتكرر فالزمان نادراً ما يجود بمثله، فهو فنان راق وذو طلة ملؤها الطرب قدَّم العديد من الأغاني الماتعة. طلال مداح الذي ولد في مكة المكرمة وعشق الفن، مرت علينا ذِكرى وفاته منذ أيام قليلة وذَكرتنا بتاريخ حافل من النجاحات، فمن منا لم يرتبط بأغنية من أغانيه؟ وما زالت إبداعاته عالقة في الأذهان بسبب عشقه للفن الذي بدا عليه منذ نعومة أظافره، فقد ارتبط الفنان طلال مداح بصديق له كان دائماً ما يردد الأغاني الشهيرة حِينها لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ليحفظها منه ويتشاركا الغناء سويا. ظهر هذا جلياً فيما بعد عند التحاقه بمدرسته في مدينة الطائف التي أَسندت إليه قراءة القرآن في الحفلات المدرسية لجمال ونقاء صوته، ليرتبط طلال مداح بعد ذلك بأحد زملائه في المدرسة واسمه عبد الرحمن خوندنة الذي كان يهوى الموسيقى ويمتلك عودا، ليجمعهما الإحساس المشترك في وقت كان الفن من الأشياء المحرمة والمستهجنة نوعا ما. ولهذا السبب كان صديقه يترك العود في بيت طلال مداح، الذي تربي في بيت خالته ولاقى فيه كل الاهتمام ليشبعا رغبتيهما في الغناء. وبحكم وجود العود في بيت الفنان طلال مداح أخذ يداعب أوتاره ليتعلم العزف بالمحاكاة والتقرب من تلك الآلة حتى أصبح مَلكها فيما بعد. تعد فترة السبعينيات هى الفترة الذهبية له، بل هى فترة الانتشار التي قربته للجمهور وذلك بعد تكوين الرباعي الفني المتكامل (طلال مداح، والأمير بدر بن عبد المحسن، والأمير محمد العبد الله الفيصل، وسراج عمر). ومن أهم الأعمال التي كتبها له الأمير بدر بن عبد المحسن زمان الصمت ووعد والتي لحنها طلال مداح بنفسه. ولم تمنعه موهبته في التلحين من الاستعانة بملحنين آخرين من باب التنويع، فقد غنى من ألحان عبد الله محمد أغنية يا صاحبي، وأغنية يا زينة يا أم الجدايل، وأغنية عاش من شافك للموسيقار طارق عبد الحليم. بدأت بعد ذلك فترة الثمانينيات التي اتجه فيها لتقديم الأغاني القصيرة مثل أغنية أحبك كثر خطوات الثواني، وأغنية بسكات وغيرها الكثير. ابتعد بعدها فترة ومن ثم يعود للفن الذي عشقه ويحيي حفلة في المكان الذي شهد موهبته الفنية المبكرة مدينة الطائف في عام 1985 ليلمع نجمه في سماء الفن بأغانيه الجديدة. ظل الفنان طلال مداح يَشدو بالأغاني التي ارتبط بها جمهوره في فترة الستينيات والسبعينيات، وقدم أيضاً ألبوما عبارة عن معزوفات موسيقية ليصبح أول فنان سعودي يخوض هذه التجربة. عاش طلال مداح حياة مليئة بالنجاحات والمفارقات فقد عانى في سنواته الأخيرة مشكلات في القلب وانسدادا في الصمامات، وأجرى عملية قسطرة للقلب لكنه ظل رغم ذلك يعطي بحب ويقدم الحفلات، إلى أن توفي وهو على خشبة مسرح المفاتحة بعدما تهيأ لغناء أغنية الله يرد خطاك وسط تصفيق حاد من جمهوره ليقع مغشياً عليه إثر إصابته بأزمة قلبية وتم نقله إلى المستشفى ولكن مشيئة الله كانت أسرع.