×
محافظة الرياض

بالصور.. محافظ رماح يستقبل المبايعين والمعزين

صورة الخبر

يثير الحادث الإرهابي الإجرامي الذي تمثل في اقتحام مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة والذي ترتب عليه قتل أحد عشر صحافياً مشكلات في غاية التعقيد. وقد تابعنا جميعاً التظاهرة الحاشدة التي كان على رأسها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وبصحبته العديد من الرؤساء من أقطار شتى للإعلان عن إدانتهم المطلقة للإرهاب وانتصاراً لحرية الرأي. ويلفت النظر بشدة سلوك مجلة «شارلي إيبدو» بعد هذا الحادث المفجع. إذ أنها أصدرت عدداً جديداً من المجلة وطبعت منه ملايين النسخ وترجمته إلى لغات شتى. وتقول وكالات الأنباء أن نسخ العدد نفدت فور صدوره، وظهرت صور لطوابير طويلة من الفرنسيين لشراء نسخة العدد الجديد. وأبرز ما في العدد الجديد هو استمرار المجلة في سياستها التحريرية التي عرّفها أحد المسؤولين فيها أنها تقوم – في جانب أساسي منها- على الإساءة إلى الأديان. وتطبيقاً لهذا التوجيه «العبقري» نشرت مرة أخرى صورة كاريكاتورية للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ودموعه تنزل وهو يصيح «أنا شارلي»، وهو الشعار الذي رفع بعد الحادث في شوارع باريس وفي أيدي المتظاهرين. والواقع أن هناك العديد من المشكلات الفكرية والسياسية التي يثيرها الحادث وما تبعه من وقائع متعددة. ولكن أهمها على الإطلاق السؤال: هل حرية التعبير التي هي سياسة سائدة في المجتمعات الديموقراطية حرية مطلقة أم أن لها حدوداً وما هي هذه الحدود؟ والسؤال الثاني: هل صحيح أن فرنسا وغيرها من البلاد الديموقراطية تمارس بشكل منهجي حرية التعبير، أم أن هناك ازدواجية في التطبيق تتمثل في الكيل بمكيالين؟ بعبارة أخرى فإن الحرية مطلقة عندما يتعلق الامر بجموع المسلمين ومن دون احترام لعقائدهم الدينية ورموزهم الساطعة وفي مقدمها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أما بالنسبة للصهيونية ودولة إسرائيل خصوصاً فالحرية مقيدة! لقد سبق لي – بالمصادفة- أن نشرت في جريدة «الحياة» أخيراً مقالة بعنوان «نظرية جديدة في تفسير التطرف» (الأحد 11 كانون الثاني / يناير الماضي) عرضت فيها لنظرية أستاذ الاقتصاد الكندي رونالد وينتروب التي ضمنها كتابه «التطرف العقلاني: الاقتصاد السياسي للاتجاهات الراديكالية» الذي نشرت مطبعة جامعة كامبردج طبعته الشعبية عام 2012. وخلاصة نظريته - كما عرضتها من قبل - أن التطرف ومن بينه التطرف الديني ليس كما تذهب النظريات السائدة في علم الاجتماع سلوكاً غير عقلاني بل إنه سلوك عقلاني بامتياز. ودلّل على ذلك بأن العقلانية لو عرفناها بأنها القياس الدقيق للعلاقة بين الوسائل والأهداف التي يتوخى الفرد تحقيقها فالإرهابي عقلاني، لأنه – حتى لو اختار قتل الخصوم والأعداء كما يراهم - فانه يفعل ذلك لأنه يحقق أهدافه. وهذه الأهداف بالنسبة للجماعات التكفيرية الإسلامية ومن بينها تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش» تتبع من عقيدة مفادها أن من حق المسلمين في سبيل استرداد حكم الخلافة الإسلامية وتطبيق شرع الله ان يقاتلوا غير المسلمين في الداخل أو في الخارج. بل إن من حقهم قتال المسلمين داخل البلاد الإسلامية الذين يرفضون عقيدتهم ويواجهونهم سواء كان من يواجههم هي السلطة الحاكمة أو جماهير الناس. قد نقبل هذه النظرية في تفسير السلوك المتطرف وقد نتحفظ عليها لأسباب شتى. ولكن الذي يلفت النظر حقاً في سلوك إدارة صحيفة «شارلي إيبدو» بعد الحادث أنه كان في الواقع سلوكاً متطرفاً ولم يكن سلوكاً عقلانياً بالمرة. فكأن العقلانية التي تفسر سلوك الإرهابي تعاملت مع التطرف الذي ميّز سلوك الضحية! وهذا التطرف لسلوك الضحية والتي هي هنا مجلة «شارلي إيبدو» انتقده البابا فرنسيس بشكل واضح في تصريحه عقب الحادث بأن الإساءة المتعمدة للأديان ليست من قبيل حرية التعبير. ليس ذلك فقط بل إن أحد المؤسسين لمجلة «شارلي إيبدو» - كما نشرت وكالات الأنباء - وعمره ثمانون عاماً قرر بكل شجاعة أن رئيس تحرير المجلة هو الذي، بسلوكه الأرعن وبتوجهاته الحمقاء، قاد زملاءه الصحافيين إلى القتل! والواقع أنه ينبغي علينا - بعد أن انتهت ردود الأفعال العاطفية الغاضبة - أن نجيب بوضوح على الأسئلة التي طرحناها في صدر المقال. وبالنسبة للسؤال الأول نقرر بكل وضوح أن حرية التعبير التي يروّج لها الغربيون ليست مطلقة. بل إنها ينبغي أن تراعي الحساسيات الدينية لجماهير المتدينين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً. ونحن نعرف من التاريخ الفكري الغربي أن الفيلسوف الألماني الشهير نيتشه سبق أن أعلن أن «الإله قد مات»، ولكن إذا كان مباحاً للمفكرين والفلاسفة أن يطرحوا ما شاؤوا من أسئلة وأن يشكّكوا كما يريدون في ما يعتبر من مسلمات دينية لدى أصحاب الديانات المختلفة، فليس مقبولاً بالمرة أن تتعمد الصحافة اليومية أو الأسبوعية إهانة المقدسات الدينية أو السخرية من الأنبياء. ينطبق ذلك على البلاد الغربية الديموقراطية التي تزعم أن حرية التعبير لديها مطلقة، كما ينطبق على البلاد العربية والإسلامية والتي ينادي بعض المثقفين فيها بتطبيق هذه القاعدة الغريبة في بلادهم. لأن في تطبيقها، كما حدث في مصر وغيرها من البلاد العربية، إخلال خطير بالسلام الاجتماعي وإثارة للفتن التي ينبغي تجنبها. أما بالنسبة للسؤال الثاني فنؤكد أن النفاق الغربي في مجال التعامل مع الأمم والشعوب والأديان المختلفة ظاهرة سائدة. وتدل على ذلك ظاهرة ازدواجية المعايير. في فرنسا - على وجه الخصوص - هناك تشريع جنائي ينص على محاكمة من ينكر واقعة «الهولوكوست»، أو يقلل من عدد الضحايا المزعومين كما قدرتها الأبواق الصهيونية، والعقوبة لمن يخالف ذلك هي الحبس. وحدث أن رسالة للدكتوراه قدمها باحث فرنسي أنكر فيها بعض الوقائع الخاصة بالهولوكوست ثم سحب رسالته وتمت محاكمته. أين كانت حرية التعبير في هذه الحالة؟ ولو أردنا أن نعمق البحث في الموضوع لقلنا أن جذر المشكلة يكمن في «المركزية الغربية» التي تعني في المقام الأول أن الغرب هو المشرع الأخلاقي العالمي، وهو الذي يقرر من هي الشعوب المتمدنة ومن هي الشعوب البربرية أو الهمجية والتي تندرج تحتها - في عرفه - البلاد العربية والإسلامية. ورغم أن «المركزية الغربية» وجهت لها انتقادات عميقة من قبل عدد من ألمع المثقفين الغربيين والعرب، إلا أنها ما زالت هي التي توجه السياسات الثقافية والإعلامية في العديد من البلاد الغربية. وحتى نكون موضوعيين فإننا نقرر أننا نعاني ليس فقط من «المركزية الغربية» ولكن من «المركزية الإسلامية» أيضاً التي هي - في التحليل الدقيق - الجذر الإيديولوجي الكامن وراء التطرف الإسلامي. وبناء على هذه الملاحظة النظرية المهمة فإننا في حاجة إلى أن نتعمق في بحث العلاقات المعقدة بين الغربيين والمسلمين بناء على إطار نظري سبق لنا أن صغناه في كتابنا «الشخصية العربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر» (القاهرة 1973) وكتابنا الآخر «الأسطورة الصهيونية والانتفاضة الفلسطينية» (القاهرة 1987). بعبارة موجزة هناك ضرورة للاعتماد على «مفهوم رؤية الذات» و»صورة الآخر النمطية» حتى نفهم بعمق طبيعة العلاقات الثقافية. * كاتب مصري