توفي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله بعدما كرَّس كل حياته في تنمية المواطن السعودي في كثير من الجوانب التي كان التعليم من أهمها، وربما لم يخلُ بيتٌ في المملكة من مبتعثٍ أو أكثر إلى أعرق وأفضل جامعات العالم، في خطوة لا أشك أنها ستشكل نواة لمجتمع أكثر حضارة وتقدما إن شاء الله. المتأمل في حضارات الأمم المختلفة يستطيع أن يتلمس مدى تأثير العلم في استمرار قوتها ونفوذها في العالم، النفط والذهب والماء والزراعة كلها موارد اقتصادية مهمة غير أن الأهم من كل ذلك هو «الإنسان»، ليس الإنسان بمعناه السطحي المجرد، بل ذلك الإنسان المتعلم الذي يستطيع بما لديه من كفاءة خدمة مجتمعه والنهوض به، إن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي هو إحدى أهم الخطوات المباركة التي تُسجل للملك عبدالله يرحمه الله، فمن خلاله لن يمتلك الوطن فقط الإنسان المتعلم، بل والإنسان الذي عاش أدبيات المجتمعات المتقدمة وما تتضمنه من مساحة كبيرة من الحرية تمنح المبتعث القدرة على تفهم التنوع الكبير الذي يعيشه هذا العالم ليصبح بالنتيجة أكثر قدرة على فهم الحياة وتعقيداتها الكبيرة بطريقة أكثر واقعية. على المستوى الداخلي وفيما يتعلق بهذا الجانب الحيوي افتتح الملك عبدالله يرحمه الله جامعته المتميزة «KAUST» التي عبر عنها يوما بأنها أحد أحلامه، وهي الأخرى نقلة نوعية على مستوى جامعات المملكة، فقد تضمنت في أعضاء هيئة التدريس أساتذة تم اختيارهم بعناية من خيرة أساتذة العالم، أتمنى بالفعل استنساخ هذا الصرح الجبار في مدن المملكة الرئيسية لنجد ضمن جامعاتنا ما يشكل بديلا حقيقيا عن الجامعات الخارجية في المستقبل إن شاء الله. على مستوى التعليم التمهيدي -ما قبل الجامعي- فقد شهد هذا القطاع كذلك تطورا ملحوظا بحيث لم تعد المدارس الأهلية -إلا ما ندر- تستطيع مجاراة المدارس الحكومية لا سيما بعد تطبيق نظام المقررات الذي أخرج نظام التعليم من الأسلوب التقليدي التلقيني القديم إلى أسلوب التفكير والتحليل والشرح، ولعل من المناسب الاستشهاد بمدرسة دار الحكمة في القطيف التي حققت المركز الأول في الاختبار التحصيلي، والمركز الثالث في اختبار القدرات على مستوى مدارس المملكة متجاوزة بذلك كثيرا كثيرا من المدارس الأهلية، مؤكدة على تطور التعليم الحكومي وكيف صُنعتْ تلك الأسباب التي تمكنه من التقدم والتطور الدائم. لا شك أن هذا الفقد الكبير أمر محزن وإن كنت أعتقد أن طلابنا في بقاع الأرض المختلفة هم أكثر المواطنين حزناً لا سيما وهم يتمتعون بنعمة هذا القرار الحكيم الذي منحهم جميعاً الفرصة للتعلم في تلك الجامعات المرموقة، ولكن الثقة كبيرة إن شاء الله بأنَّ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيكون خير خلف لخير سلف وستستمر النهضة في جميع القطاعات لا سيما التعليمية منها بحيث ينعكس ذلك إيجاباً على مستقبل أكثر إشراقاً لهذا الوطن الحبيب.