×
محافظة المدينة المنورة

السائبة تحول طريق البلاط ـ العلا إلى مسرح للحوادث

صورة الخبر

كثيرون عندما يستمعون إلى بعض الأحاديث والأحاجي، عمن يعرفون بـ«العقيلات»، تقفز إلى أذهانهم صورة مجموعة من الأعراب مارسوا التجارة بشكلها التقليدي في حقبة من حقب تاريخ الجزيرة العربية، امتدت بين عامي 1263 و1938، غير أن الواقع أكثر إثارة وأهمية من ذلك. مارس العقيلات نظاما من أنظمة الحكم والقضاء والسياسة لشعب كثير التنقل والترحال، يمسون في واد ويصبحون في واد آخر في صحراء مترامية الأطراف، تجاوزت تجارتهم حدود الجزيرة العربية بما فيها منطقة الحجاز التي لم تتطرق لها المؤلفات كثيرا، إلى ما أبعد من بلاد الشام والعراق مصر، مشكلين شبكة تجارية ضخمة تصل إلى بلاد أخرى كثيرة وبعيدة. كان العقيلات يُصدّرون الماشية من الإبل والخيل والغنم إلى الحجاز، ويصدّرون المنتجات الزراعية كالتمر والحبوب، ويُصدّرون المنتجات الحيوانية كالسمن والأقط، ثم يعودون إلى القصيم محملين بالبضائع التي تحتاج إليها بلادهم. وتناول كتاب «العقيلات.. ودورهم التجاري مع الحجاز»، الذي صدر عن دار جداول للنشر والترجمة في بيروت لمؤلفه الباحث منصور الشريدة، جوانب مهمة من حياة «العقيلات» والمهام السياسية الكبيرة التي تصدوا لها سواء في وطنهم القصيم، أو في مناطق الصراعات المحيطة بهم. وتطرق الشريدة إلى الوظائف الرئيسة في قوافل العقيلات، مبينا أن القافلة الواحدة تضم مئات الأفراد، ويقسمون إلى خبر (فرق)، يتراوح حجم كل خبرة (فرقة) من 6 إلى 10 أشخاص، وكل خبرة لها شراعها ولها مهمة موكلة بها. أحد أهم أفراد القافلة من يسمى «الأمير»، وهو المسؤول عن القافلة ويختاره العقيلات وفق معايير محددة، منها السمعة الطيبة والصيت الذائع بين البادية بصفة عامة؛ لأنه سيتعامل معهم في أثناء الرحلة، والتحلي بالأخلاق الحميدة وسعة الأفق وطلاقة اللسان والخبرة الطويلة في رحلاتهم. ولا بد للأمير أن يتمتع بالقدرة على اختيار الفرسان الذين يدافعون عن القوافل وله صلاحية في عقد المعاهدات والأحلاف مع القبائل العربية، وله معرفة بالدروب وموارد المياه مع القدرة على حل مشكلات أفراد القافلة، بجانب اتصافه بكرم الضيافة، ومساعدة الفقراء منهم، والغالب أن المشاهير يصبحون رؤساء عليها بلا منازع ولهم الولاء والطاعة. ويكون للأمير خيمة (شراع) مميزة عن باقي الخيام وحجمها أكبر ويمكن أن تكون له أكثر من خيمة، باعتبار أنه واجهة العقيلات وكبيرهم، حيث يجتمع في خيمته كبار التجار أثناء إقامتهم على موارد المياه ويستقبل فيها رؤساء القبائل والضيوف. ويأخذ الأمير مبلغا محددا من التجار المرافقين له، كما يأخذ على كل رأس من الإبل أو الخيل أو أي بضاعة كانت مبالغ محددة، تجمع في صندوق يسمى «الدبة» يصرف الأمير منها أجور حراس القوافل وخاوات القبائل والهدايا التي يقدمها لرؤساء القبائل التي تربطهم بها أحلاف، واستقبال الضيوف، وللمحتاجين من العقيلات الذين يرافقون الرحلة وأجور الدليلة. كذلك من مكونات قافلة العقيلات، من يسمون «الخوبا»، وهم المرافقون للتاجر من خدم وغيرهم، وللقافلة «إمام» يؤمهم في الصلاة ويبصرهم بأمور دينهم، بجانب ما يسمى بـ«الأشكي»، وهي كلمة يبدو أن أصلها فارسي، وهو المسؤول عن الطبخ وأحمال «الثاية»، والأخير اسم يطلق على جميع احتياجات الشراع أو الخيمة الواحدة من الفرش والسجاجيد والمواد الغذائية وأواني الطبخ والقهوة ومياه الشرب. ومن مكونات قافلة العقيلات أيضا من يسمون «مساعدين» لنصب الخيام (الشرع)، و«الدليلة» وهو الدليل الذي يعرف الدروب، «كذلك الرفق» وهم مجموعة من مرافقين من القبائل التي تمر بمواطنها قوافل العقيلات، مهمتهم حماية القافلة من القبائل التي ينتمون إليها ويتكفلون برد ما ينهب من القافلة فيما لو حدث ذلك ويحمل كل منهم علما للتعرف على مجموعتهم. البيرق مكون مهم أيضا في القافلة، وهو بيرق يحملونه معهم في ترحالهم وينصبونه على مرتفع من الأرض حين ينزلون، لونه أخضر وعند العصا أبيض والطرف الآخر أحمر كتب عليه: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وهناك من يسمون «الحراس»، ويكونون مسلحين ويقسمون إلى 4 أقسام، قسم عن يمين القافلة وقسم عن شمالها وقسم أمامها وقسم خلفها، ويكون عدد الحراس متناسبا مع مقدار الأمتعة وقيمتها، وهناك من يعرفون بـ«القلواط»، وهم طلائع القافلة أو عينها التي تسبقها لتطمئن إلى أمن الطريق. أما الرعاة، فيحدد عددهم بعدد الرعايا، فالرعية غالبا ما تكون 81 أو 91 رأسا من الإبل، ويكون معها راع يركب العدد الفردي الزائد من الـ90 وتسمى «القعدة»، وهي الراحلة التي يركبها الراعي وغالبا ما يحدد لونها أو تسمى «الرحول»، وهي الناقة المتوسطة السن. وإذا أراد الراعي حث المسير صاح بصوت عال مرددا «الحداء» للإبل، ويعني سوق الإبل والغناء لها، وتصل أعداد الإبل في قوافل السلع إلى 1200 بعير، وغالبا ما يكون ثلث هذا العدد محملا بالسلع، وثلثه لركوب التجار والمسافرين، وثلثه للأحمال التي يحتاجها رجال القافلة من خيام وأطعمة وغيرها، ويقوم هذا الراعي باقتياد الإبل كي ترعى لمدة نصف ساعة قبل حلول الظلام. ومن مكونات القافلة من يسمون بـ«الملاحيق»، ويكونون في مؤخرة القافلة لحث المتأخر من أفراد القافلة وتجميع ما يشذ من المطايا، كذلك هناك بعض الصناع والنجارين والخرازين، وهؤلاء يعملون على إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح من الأشدة والقرب وأدوات التحميل وغير ذلك من الأشياء. كما أن للعقيلات عادات وأنظمة تعارفوا عليها وعملوا بها، ومنها المجلس العرفي وهو نظام عرفته القبائل العربية منذ القدم لحل قضاياهم بين المتخاصمين وليس بعده حق لأي من الطرفين لنقض الحكم. وهناك ما يعرف بـ«نظام القافلة أثناء السفر»، حيث تتوقف قوافل العقيلات مرتين يوميا، مرة عند الظهيرة للقيلولة ولاتقاء حر الشمس، وغالبا ما تكون عند مورد ماء، وعند المساء للنوم، وحين يقرر الأمير أن يوقف مسيرة قافلته يشير إلى حامل البيرق بالنزول وتثبيت سارية البيرق على مرتفع من الأرض. وحين يثبت البيرق تتوافد إبل القافلة حوله، فتستريح الجمال من أثقالها وترسل لترعى ثم تعاد إلى المعسكر قبل الغروب استجابة لنداء رعاتها، حيث تعقل الإبل مساء في مجموعات تنظم بحيث تبدو محيطة بالبضائع مع ترك فجوات معينة بين كل مجموعة وأخرى ليأوي إليها الرجال الذين يتولون الحراسة. وتبدأ القافلة مسيرها فجرا، ويرسل الأمير قبل بدء المسير بعض رجاله لاستكشاف الطريق والتأكد من سلامته وخلوه من المخاطر، وحين يقرر الأمير الرحيل يعطي إشارة لخادمه فيصيح بالقافلة: «الشيل»، وما هي إلا لحظات تتهاوى فيها الخيام على الأرض وتحضر الإبل وتناخ لحمل الأثقال وتستأنف القافلة المسيرة بحداة الإبل. وإذا تأخر بعض الذين تباطأوا في التحميل يقف الخادم أمام القافلة ويفرش ذراعيه ليوقف الطليعة حتى تلحق البقية، وقد يجري هنا وهناك يصيح على أولئك الذين تأخروا ثم تسير القافلة قريبا بعضها من بعض تحسبا لأخطار الصحراء.