جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية أطول سلسلة جبال في العالم. في القرن السادس عشر الميلادي كان هناك حضارة متطورة تمتد قبالة هذه السلسلة.. حضارة من أزهى حضارات الأرض آنذاك. إنها أمة إنكا. حضارة الإنكا شملت مساحة فاق طولها 4500 كيلومتر. من زار ديارهم رأى الطرق الممهدة والقلاع الحصينة، ولو اطّلع على خزائن السلاطين لرأى من الذهب أكواماً تسلب العقل من ضخامتها ووفرتها. وهذا ما جذب الكونكيستادور إليها. كلمة «كونكيستادور» تعني نصارى من جنود ومستكشفين خدموا المملكات البرتغالية والإسبانية، وهناك الكثير من المستكشفين الذين نعرف أسماءهم ونظن أنهم ما خرجوا إلا للعلم والاستكشاف بينما خرجوا ليقتلوا ويعذبوا باسم النصرانية، فمثلاً هل تعرفون أن فاسكو دي غاما ما كان إلا جندياً ومُنصّراً أتى بالمجازر والعذاب للعديد من الشعوب؟ تَحْفل كتب التاريخ بالكثير من أسماء هؤلاء السفاحين الذين لمّع الغربيون أسماءهم وتجاهلوا جرائمهم. المستكشف المعروف كريستفر كولمبس قال إن الهدف الأساسي من رحلاته التنصير، ولهذا نال دعم الملكة إيزابيلا والملك فرديناند، واللذبن طردا المسلمين من الأندلس وقتلوا الباقين أو نصّروهم، فرغم أن كولومبوس إيطالي إلا أنه أثبت لهم نواياه التنصيرية التي على أساسها أمدوه بالمال والسفن ليفرض دينه على البشر، ولما وصل أمريكا بالخطأ كان هو طليعة المستعمرين الأوروبيين الذين اقتحموا القارة على الهنود الحمر وأعملوا فيهم المجازر والتنصير. طبعاً هذه الحقائق متجاهَلة عند الكثير من الغربيين الذين يزعمون كذباً أن الإسلام انتشر بالسيف. عودةً إلى الإنكا، من القصص الغريبة التي دوّنها التاريخ قصة الكونكيستادور الإسباني فرانسيسكو بيزارو الذي خرج باحثاً عن شعوب يُنصّرها بالحديد والنار وينهب كنوزها، فلما سمع عام 1533م عن كنوز الإنكا انفتحت شهيته، فجمع جنوده وانطلق في البحر، ولما وصلوا هالهم ما رأوا، فشعب الإنكا مكون من ستة ملايين شخص وجيش قوامه ثمانون ألف رجل. ورغم أن أسلحة الإسبان أكثر تطوراً إلا أن فرق العدد شاسع، ففكروا في الرجوع إلا أن بريق الذهب أغراهم، ففكر بيزارو قليلاً ثم استقر على خطة بالغة الخبث والوحشية، ذلك أنه أرسل رسولاً وأقنع ملك الإنكا أن يجتمع معه، ولما أتى الملك ومعه الآلاف من الحراس غدر بهم النصارى وقتلوهم جميعاً رغم أن النصارى الإسبان فقط 150 شخصاً، ولكن عامل المفاجأة والغدر مع الأسلحة المتطورة أعانهم، ذاك أنه كان معهم مسدسات بدائية وقاذفات أسهم، فقبضوا على الملك، وهذا ما حطم معنويات الشعب وأثار الفوضى، وهكذا سقطت دولة من ملايين الناس أمام شرذمة لا تتعدى 150 شخصاً، وأما الملك فقد اجتمعوا ليحرقوه حياً (وتأمل حرق النصارى للمسلمين أحياء بالقنابل بشكل شبه يومي هذه الأيام)، وعرض عليهم غرفة كاملة معبأة إلى آخرها بالذهب ليتركوه، فأخذوا ذهبه بالقوة، ولما أظهر التنصر قرروا شنقه بدلاً من حرقه. هذه رحمتهم! تأمل قصة الرسول عليه الصلاة السلام لمّا قُتِل عمّه الحبيب حمزة في أُحُد، والذي ناصر الإسلام رغم قِصَر عمره فيه، وزاد المشركون الأمر بأن مثّلوا بجثمانه، فلما رآه رسولنا هكذا حزن حزناً عظيماً وبكى بحرقة. الذي قتل حمزة وحشي بن حرب، وهند بن عتبة قطعت بطنه ومضغت كبده. لما أسلما فيما بعد نالا الأمان وصارا من أمّته. هذا ديننا، وذاك دينهم. أما الإنكا، فما هو إلا قليل حتى أتى المدد للإسبان، فبدأوا يذبحون ويقتلون الأبرياء حتى انقرضت حضارة الإنكا للأبد.