استمعت إلى حديث غريب من أحد الدعاة - غفر الله له - يدين فيه من يرى أنهم يحملون فكرًا منكرًا يريدون أن يشيعوه في الناس، وأنهم خرجوا بذلك من ربقة الإسلام فلا تردد، في رأيه، في الحكم عليهم بالكفر إذا كتبوا ما هو ظاهر بيّن أنه منازعة لله في ألوهيته، أو منازعة للنبي في نبوته فلم يبق شىء يمكن أن نجد له من خلاله عذرًا. *** وأقسم الرجل: "فوالله لو كان الأمر بيدي لجعلتهم رابع الجمرات يرميهم الناس كما تُرمى الجمرات الثلاث.. لأنهم بالغوا وبالغوا في هذا الأمر العظيم مبلغًا لا يمكن أن يُعذر أحدهم في تركهم، لا ولي أمر، ولا قاض، ولا العامة لأنهم بلغوا من الكفر أوجه". ورغم أنني لا أخالفه في أنه إذا بلغ بمثل هؤلاء الأمر منازعة الله تعالى في ألوهيته، أو الرسول صلى الله عليه وسلم في نبوته فلا عذر لمثل هؤلاء.. فإذا لم يستتابوا فإن في شرع الله ما يمكن التعامل به معهم بما يستحقون. *** ما أزعجني حقاً هو أن الداعية نفسه، وبلسانه لم يتورع عن الاقتراب مما نهى عنه وأدانه.. فهو يتمنّى لو أن الأمر في يده لجعل هؤلاء الذي يعنيهم "رابع الجمرات"، يرميهم الناس كما يرمون بقية الجمرات الثلاث. فالرجل هنا، كما أرى، يودّ لو أخذ مكان المُشرع (حتى لا أقول أكثر)، في أن يجعل من هؤلاء جمرة رابعة يرميها الناس، أي أنه يودّ لو كان في يده حق التشريع الإلهي في شعائر الحج يضيف إليها ويحذف منها على هواه، لينال ممن رأى فيهم أعوجاجاً، وهو أمر لو قاله أحد ممن يتهمهم لأولجه في النار دون حساب!! *** الأخطر هو أنه لم يقصر تحريضه على من أعتبرهم ينازعون الله ورسوله، ولي الأمر والقضاة وحدهم، بل أقدم على إباحة دمائهم حتى لعامة الناس للاقتصاص منهم بتهمة الكفر البواح. وهو حكم أصدره الرجل دون أن ينتظر - على الأقل - إخضاعهم للمُساءلة والسعي لإصلاحهم، واستتابتهم، لو صحت اتهاماته لهم. وهو ما أعتبره انفلاتا أشد خطورة من انفلات من يتحدث عنهم شيخنا الجليل. وأحمد الله أنه لم يذكر أسماء بعينها وإلا كان عليه وزر ما يمكن أن يحدث لهؤلاء من بعض العامة من المتشددين الذين لا يتورعون عن التقرب لله بدماء يريقونها.. عن جهل وسوء فهم. *** وأخيراً.. أرجو أن أكون قد أخطأت في فهم ما قال الرجل، رغم أنني سمعت حديثه أكثر من مرة ودونته حرفًا بحرف. وأجد أن في ما قاله مبالغة يعمد فيها، هو وبعض الدعاة، أخذ موقع ومكانة ينظرون فيها إلى الناس من علو وكأنهم فوق بقية البشر لا يخطئون ويحكمون على غيرهم بالخطأ والقصور.. وأعتقد أن مثل هذا النهج، هو كما وصفه الشريف حاتم العوني، "خطاب بلغ من الاهتراء حدًا أصبح الصبر عليه أشد من صبر الكريم في قبضة اللئيم، ومحاورته أصبحت في نظر غير المبتلى به هبوطًا كهبوط محاور المجاني"! (المدينة: 16/01/2015). وصدق الله تعالى القائل: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ). البقرة: 204 وآخر دعوانا: اللهم لا تفتنّا في ديننا وأجعلنا من المتبعين لدينك ولرسولك صلى الله عليه وسلم. #نافذة: (الخطاب غير العلمي والذي يُؤسس على قواعد زائفة سيكون هو نفسه زيفًا: لا يبني إلا الأوهام، ولا يغرّ غير الطغام، وسينفر عنه ذوو الأحلام!) الشريف حاتم العوني nafezah@yahoo.com