لنتابع معا هذا السيناريو: يذهب المواطن لإنجاز معاملة في إدارة ما في المركز الذي يخدم قريته فتتم إفادته بأنه لا بد من تحويلها إلى الإدارة الفرعية في المحافظة لأن البت فيها من صلاحيتها. يذهب إليها فتكون النتيجة كتابة خطاب إلى الإدارة العامة في المنطقة لأنها المخولة باتخاذ القرار. يحمل معاملته إلى تلك الإدارة وبعد تسجيلها في الوارد يعطى موعدا للمراجعة في القسم الفلاني، يأتي في موعده ليفاجأ بأنها راكدة في ذلك القسم لأنه لا بد من عرضها على سعادة المدير العام، يحملها ويتردد على مكتبه حتى يصادفه الحظ بمقابلته، وبعد أن يقرأها سعادته يفيده بأن الموضوع فيه إشكالية ولا بد من الاستئناس برأي الوزارة، تذهب المعاملة إلى الوزارة ليكون مصيرها أحد احتمالين: إما الضياع في الأدراج والأرفف المكدسة بالمعاملات أو العودة بعد أشهر إلى إدارة المنطقة بتوجيه مقتضب باهت لا يزيد عن: (حسب النظام)، وهنا إما تنتهي سلبا أو إيجابا بحسب الاجتهاد في تفسير النظام. هذا السيناريو ليس خياليا أو افتراضيا بل هو المسار الذي تسلكه معظم معاملات المراجعين للدوائر الحكومية، ويمكن تسميته بالمصطلح الإداري المعروف: (الإحالة). وإذا حاولنا أن نجد تفسيرا لعقدة الإحالة فإن الأقرب إلى الواقع والحقيقة هو التردد في اتخاذ القرار وتحاشي تحمل مسؤوليته، وإلا لما عادت المعاملة مدفوعة بتأشيرة (حسب النظام) الذي توجد كراساته في مكاتب كل المسؤولين الذين تتابعوا على إحالتها، ورغم أن مواضيع معظم المعاملات بسيطة ومباشرة، ويمكن إنهاؤها في المحطة الأولى من رحلتها الطويلة. تذكرت هذا المرض الإداري المزمن المسمى بـ(الإحالة) وأنا أقرأ جملة للأمير خالد الفيصل في اجتماعه مع محافظي محافظات المنطقة ورؤساء المراكز التابعة قبل يومين حين وجههم بالعمل على «الحل وليس الإحالة» وعدم تداول المعاملات بين الجهات دون حلها بشكل يسهل ويساعد في خدمة المواطن. إنه شعار عملي جميل وفعال لو تم تطبيقه لأمكن كسر كثير من حلقات البيروقراطية والترهل الإداري والتعطيل لمصالح المواطنين، ولو عاقبت الوزارة مسؤولها في المنطقة على الإحالة غير الضرورية، وعاقب بدوره المسؤولين في إدارته وفروعها على ذلك لانتهت معاناة الناس، وتقلصت ظاهرة لا نشاهدها إلا لدينا وهي اضطرار المواطن لمناشدة الوزير أو الملك لحل مشكلته التي مرت على عشرات المسؤولين وكان بالإمكان حلها في أقصر وقت، وفي أول إدارة.