هل صحيح أن الدين هو بوابة الإرهاب ، سواء كان الدين الإسلامي أو أي دين آخر ، وهل صحيح أن التدين هو الخطوة الأولى نحو الانخراط في الأعمال الإرهابية ، مع الأسف الموجة السائدة للإعلام العربي حاليا تتجه إلى الإجابة بالإيجاب على هذا السؤال ، وهناك تيار جارف ونشط ومدعوم رسميا في العواصم العربية يؤكد على هذه الفرضية ، ويدعو إلى إعادة النظر في تربيتنا الدينية وفي مناهج الدين وأيضا تجديد الفكر الديني، فهل هي فرضية صحيحة ، وهل الإجابة بنعم على ذلك السؤال هي الإجابة الصواب فعلا ؟ المجتمعات العربية تحديدا هي مجتمعات متدينة بطبيعتها الغالبة ، والدين حاضر بقوة في سلوكيات الناس ووعيهم ومشاعرهم على مدار التاريخ ، وطوال القرن العشرين كان التدين بين المسلمين مسيطرا ومع ذلك لم يشهد القرن العشرين في أغلبه ، في ثمانين عاما منه على الأقل موجات إرهابية وتنظيمات إرهابية شاملة كتلك التي نشهدها الآن في كل مكان تقريبا ، بل كانت الأعمال الإرهابية التي عرفها العالم في تلك المرحلة من فعل تيارات فكرية وايديولوجية أخرى من غير الإسلام ، حيث نشطت جماعات يسارية في ألمانيا تحت عنوان بادر ماينهوف لتمارس مختلف صور الإرهاب من قتل وحرق واختطاف رهائن إلى آخره الأمر الذي روع ألمانيا لسنوات طويلة ، وكذلك الأمر في إيطاليا حيث نشطت تنظيمات إرهابية يسارية تحت مسمى الألوية الحمراء وأفزعت المجتمع الإيطالي سنوات طويلة وارتكبت العديد من الجرائم بما فيها اغتيال واختطاف رئيس الوزراء ، أيضا كانت هناك نشاطات إرهابية في اليابان قامت بها منظمة الجيش الأحمر الياباني وارتكبت العشرات من أعمال العنف والإرهاب بمختلف صورها ، كما نشطت مجموعات فلسطينية يسارية أيضا خاصة في السبعينات ومارست عمليات إرهابية واسعة النطاق ومروعة بما في ذلك اختطاف طائرات مدنية واختطاف شخصيات وفرقا رياضية وغير ذلك ، كما ظهرت تنظيمات ناصرية قومية في القاهرة خططت ونفذت العديد من الأعمال التي توصف بالإرهاب مثل اغتيال ديبلوماسيين أجانب ومحاولات الاختطاف حتى تم تصفيتها باعتقال محمود نور الدين زعيم المجموعة والحكم عليه بالسجن المؤبد ، وطوال تلك المرحلة من النشاط الإرهابي في أوربا وآسيا وفي مصر والمنطقة العربية لم يكن هناك أي منظمة دينية إسلامية ينسب إليها الإرهاب أبدا ، ولم تتهم أي حركة إسلامية بالتورط في أعمال إرهابية منظمة ، وذلك قبل أن ينحسر اليسار العربي والأوربي بعد انكسار التجربة السوفيتية وهزيمتها في أفغانستان وسقوط دولتها النموذج وتحول موسكو إلى النموذج الرأسمالي الغربي . لماذا غاب الدين عن الحضور في تلك الموجات الإرهابية والتنظيمات الإرهابية التي انتشرت على مدار أربعين عاما تقريبا ، والدين هو الدين ، والتدين هو التدين ، والمناهج هي المناهج ، الأمر إذن لا يتصل بالدين في ذاته ولا بالتدين ، وإنما بالأجواء السياسية التي تشعر قطاعات واسعة بالظلم أو التهميش أو القهر أو العبودية ، فتلك الأجواء تكون بمثابة العنصر الحاسم في صناعة مركب الإرهاب والإغراء به سبيلا لتحقيق مطالب يراها أصحابها مشروعة أو دفع مظالم ، ورغم قسوة تلك الظروف وضغطها على مشاعر الملايين من المتدينين في الوقت الحاضر ، إلا أنها ـ رغم ذلك ـ لا تجذب إلا نسبة صغيرة جدا وهامشية من التيار الديني ، ولكنها ـ مع الأسف ـ نسبة تكون كافية لنشر العنف والخوف والإرهاب على نطاق واسع ، على النحو الذي نراه الآن في تنظيمات نشطة في العراق وسوريا واليمن ومصر وغيرها . الإرهاب ـ إذن ـ ليس وليدا للدين أو التدين أو مناهج التعليم الديني أو المدني ، فقد كان وليدا للماركسية أيضا وللفكر القومي في غياب كامل للمكون الديني في تلك الموجات الإرهابية ، ولكن الإرهاب هو وليد سياسات باطشة ومتعجرفة تصنع أجواء محتقنة وظالمة أو غير عادلة أو غير مقنعة ومحبطة لمشاعر قطاعات واسعة من البشر ، فتجتذب مجموعات من الشباب تندفع في مسار العنف والإرهاب متصورة أنها يمكنها أن تنتزع ما تراه حقا من هذا الطريق أو ترد على الظلم بهذا الطريق ، ومن أجل توفير دافع التضحية وعنصر الفداء لعناصرها تقوم تلك التيارات ببناء منظومة روحية ملهمة ، تستند فيها إلى الحالة الفكرية الأكثر إثارة وجذبا في تلك اللحظة التاريخية ، وقد تكون تلك الحالة ايديولوجية يسارية أو قومية عنصرية أو دينية . إن ما لا شك فيه ، بشاهد التاريخ القريب ، والواقع الحي ، أن الدين برئ من قصة الإرهاب ، وأن بعض القيادات السياسية والنظم الحاكمة في الشرق أو الغرب تحاول الهروب من مسؤوليتها عن صناعة الواقع الظالم والباطش المؤجج للإرهاب والجاذب للإرهاب بإلقاء التهمة السهلة والرخيصة على الدين ، الحيطة المايلة في ظنهم ، ويدعمهم في ذلك نخب إعلامية وسياسية وثقافية ، تراها فرصة لضرب وتصفية تيار التدين في المجتمع الذي يمثل حائط صد قويا يمنع تمدد نزقهم الأخلاقي أو الفكري أو السياسي . المصريون